أخبار الآن | إدلب – سوريا – (مها رباح)

عاد "تيم" إلى وطنه ناجيا من الغرق، ولكنه يحمل ذكرى صراع مرير مع الموت عاشها في مياه "المتوسط" مع مجموعة من رفاقه، الذين غرق الكثير منهم  أثناء رحلتهم من  تركيا إلى جزيرة قبرص أواخر العام الماضي 2015 في طريقهم إلى ألمانيا.

بين البقاء والهجرة

تيم 20 عاما من معرة النعمان، الذي ابتلع البحر رفاقه، ليس وحدهم من الشباب في إدلب وريفها ممن يعيشون ضياع المصير والأهداف، يقول: "صحيح أنني نجوت من الموت وعدت إلى بلادي ولكني عدت إلى الحيرة من جديد وإلى حرماني من دراستي التي لا أعرف كيف سأكملها وأنا محاصر بين خوفي من الذهاب إلى جامعات النظام وبين خيار تسجيلي في جامعة إدلب غير المعترف بها دوليا".

تقول والدة تيم أنها باتت تخشى إرسال ابنها مرة أخرى لإكمال دراسته في الخارج بسبب خوفها من تكرار التجربة وتضيف أنها دائما تلاحظ الحزن باديا على وجهه وتفكيره الدائم  بمستقبله الذي يضيع أمام عينيه ولا يستطيع فعل شيء، حسب وصفها .

مع كل المعاناة التي يعيشها تيم فإنه يعد أكثر حظا من كثير من  شباب "كفرنبل" المعتقلين في سجون النظام منذ ثلاث سنوات، تقول "رقية" 45 عاما، والدة أحد المعتقلين: اعتقل ابني بسيم مع 14 طالبا من جامعة حلب لأسباب مجهولة ولا نعرف مصيرهم حتى الآن، توفي ثلاثة منهم داخل السجن في ظروف غامضة بعد ثلاثة أشهر من اعتقالهم حيث وصلت جثثهم لأهاليهم حينها.

"ر. ع" مدرس في جامعة حلب، يقول أن جامعة حلب كانت تغص بالطلاب من إدلب وريفها ولكن أعدادهم انخفضت إلى أقل من الربع مقارنة مع زمن ما قبل الثورة.

"رامي" من كفرنبل 23 عاما، ترك دراسته الجامعية في جامعة حلب بسبب الظروف الأمنية أيضا، ولم يقتنع بفكرة الهجرة إلى أوربا لإكمال دراسته وبقي جالسا في بيته دون عمل ولا دراسة فكانت النتيجة أنه بات عبئا على العائلة، ولم يجد رامي حلا سوى الذهاب إلى تركيا للعمل.

شباب معتقلون ومصابون

ليس رامي فقط من قصد تركيا للعمل بعدما يأس من وجود فرص عمل في بلده، بل هناك الكثير من الشباب الذين تخسرهم البلد يوميا حيث يقصدون العمل في تركيا بسبب عدم توافر فرص للعمل خاصة بعد استهداف العديد من المعامل بالطيران الحربي كمعمل الأعلاف في جنوب مدينة كفرنبل والذي استشهد جرّاء استهدافه العديد من عماله الشباب وجرح آخرين.

ومع عدم وجود إحصائية رسمية لعدد المعتقلين الشباب في سجون النظام بسبب تكتم النظام على عدد المعتقلين في سجونه، إلا أنه لا يكاد يخلو بيت في قرى إدلب وجبل الزاوية إلا وفيه شهيد أو معتقل على الأقل.

"أم إياد" من مرعيان 60 عاما، لديها خمسة أبناء تقول أنها فقدت أربعة منهم في الثورة السورية خلال السنتين الأخيرتين أثناء المعارك مع جيش النظام واثنين آخرين في القصف العشوائي بالمدفعية على مرعيان في جبل الزاوية.

"أم أحمد" 50 عاما، من معرة النعمان تقول: كان لدي ولدين، الكبير أحمد عمره 25 عاما والأخر ماهر 23 عاما. بعد يأس أحمد من الحصول على عمل التحق بصفوف الجيش الحر وبعد فتره بسيطة أصيب خلال المعارك ما أدى إلى شلله، ومن ثم قررت الحفاظ على ماهر فقررت السفر به إلى ألمانيا وأثناء رحلتنا في البحر حدث ثقب كبير في القارب الذي كان يقلنا وجاءت قوارب أخرى لإنقاذنا من الغرق، أثناء ذلك لم أعرف عن ابني شيء ولكن حين وصلنا للشاطئ كانت المفاجأة أن ولدي كان من بين المفقودين فعدت إلى وطني.

أما على الصعيد الفكري، فقد تشتتت آراء وعقول الشباب السوري بين الفصائل السورية واختلافها في المناطق المحرره وتنوعها.

"أم ماجد" من قرية البارة تقول: "لدي أربعة أبناء بانتماءات مختلفة وأفكار متباينة، الكبير ماجد 40 عاما لا يزال مع النظام ومؤيد له بأفكاره والأصغر منه مقتنع بفكر داعش والأوسط مع جبهة النصرة وأصغر ولد لدي يعمل مع الجيش الحر"، وتضيف أن ابنها الأصغر ينوي حاليا الهجرة إلى ألمانيا لدرء التصادم مع بقية أخوته.