أخبار الآن | عرسال – لبنان (رواد حيدر وأبو محمد اليبرودي)
بحادثة تعيد لذاكرة السوريين ما كان يجري معهم في سوريا في بدايات ثورتهم، يعيش لاجئو عرسال حالة من القلق والتوتر خوفا من شبح المداهمات والاعتقالات التي بات يجريها الجيش اللبناني والأمن العام بكثرة مؤخرا لمخيمات اللاجئين بحجة ملاحقة الإرهابيين واعتقال عناصر يشتبه بانتمائهم لفصائل متطرفة.
فقد نفّذ الجيش اللبناني صباح اليوم، حملة دهم واعتقال في بلدة عرسال، اعتقل على إثرها عشرات السوريين، وأوقع عدداً من القتلى من السوريين أيضاً. الحملة جاءت بعد أن انتشرت الأقاويل في الفترة الأخيرة بين اللبنانيين وعلى وسائل الإعلام، مفادها أن البلدة تحت سيطرة جبهة النصرة وداعش.
مداهمات وتشكيك بالإدعاءات
المتحدث باسم الهيئة العامة لمدينة يبرود "أبو الجود القلموني" ذكر أن الجيش بدأ حملة الدهم عند الساعة التاسعة صباحاً، حيث اعتقل ما يقارب 30 لاجئاً سورياً -بينهم ثلاثة نساء- كما قُتل ثلاثة سوريين بعد تعرضهم لإطلاق نار من قبل عناصر الجيش.
وأشار "أبو الجود" إلى أن "المسؤولين عن عملية اقتحام اليوم، هما الفيلق الثامن والفيلق السابع، وهما مسيّران بشكل كامل من قبل قيادات حزب الله".
من جانبه ذكر الناشط الإعلامي "أبو يحيى القلموني" أن المداهمات تركزت في ساحة عرسال وفي منطقة وادي أرنب"، مضيفاً "المعتقلون لا علاقة لهم بأي تنظيم إسلامي، أغلبهم مصابون من دار الجرحى، حيث استطعنا إحصاء قرابة 13 جريح تم اعتقالهم، بينهم امرأة".
وأضاف "أبو يحيى" أن حالة من الهلع والخوف تغلغلت بين أوساط السوريين في عرسال تزامناً مع الحملة، بسبب القسوة التي اتبعها عناصر الجيش وخاصة أثناء مداهمتهم لدار الجرحى.
وكانت وكالات لبنانية وقنواتٌ إخبارية تداولت الأسبوع الماضي أخبار مفادها أن عرسال تحت سيطرة مئات "الإرهابيين" من جبهة النصرة وداعش وهو ما نفاه "أبو الجود" بقوله: "لا تواجد لأي مظاهر مسلحة داخل المدينة. كيف تتم السيطرة على عرسال وهي محاطة من كل الجهات بالجيش وحزب الله، واللذان يستهدفان أي تحرك على الحدود حسب إعلامهم!".
أما "د. منذر بركات" أمين الهيئة الثورية العامة ليبرود فيقول أن أحد الأماكن التي قامت باستهدافها الحملة هي مبنى قد أعده المركز الطبي في عرسال لاستشفاء المصابين وتلقي الرعاية الصحية اللازمة لهم باستمرار، إلا أن الجيش اللبناني قد قام بمداهمة دار الاستشفاء واعتقال كل الجرحى المتواجدين بداخله بالرغم من أنهم مصابين منذ أكثر من عامين في داخل القلمون السوري أثناء حملات النظام القديمة عليه.
ويشير بركات إلى أن الحملة كانت شبيهة بالحملات التي كان يقوم بها النظام السوري في بدايات الثورة السورية، حيث ترافقت عمليات المداهمة بإطلاق الرصاص الكثيف والعشوائي مما أدى لقتل شخصين من النازحين وهم "وليد أمون" و"أنس خال زعرور" بالإضافة لإصابة آخرين تم نقلهم عقب انسحاب الجيش إلى المراكز الطبية في عرسال.
ويضيف بركات إلى أنهم وجهوا نداءاتهم مرارا لكل المنظمات الإنسانية للدخول و الحد من هذه التجاوزات بحق اللاجئين دون رادع، والتي يسعى الإعلام الموالي لحزب الله والمعادي للثورة السورية بتبريرها بأن عرسال باتت بؤرة للإرهاب والإرهابيين وهذا يتناقض مع وجود الجيش اللبناني الدائم في محيط عرسال وإدعائه تأمينها بالكامل من هجمات الإرهابيين.
اعتقالات ومعاناة
ومن جهة أخرى يقول زكريا الشامي الناطق السابق لتجمع "واعتصموا" العسكري بأن سيناريو المداهمات ليس حديثا على عرسال والنازحين فيها، حيث أن مثل هذه الحملات تجري بشكل دوري كل أسبوع وتستهدف مخيمات النازحين العزل وتجعلهم يعيشون دائما في رعب يضيف شكل آخر من المعاناة لهم فوق معاناة النزوح.
ويشير الشامي إلى أن الجيش والأمن العام اللبناني يسعى من خلال هذه الحملات لتلميع صورته أمام الإعلام الداخلي والخارجي بأنه يعمل بشكل مستمر على ملاحقة الإرهابيين ويبرع في إلقاء القبض عليهم، ولكن حقيقة الأمر أن معظم من تغص بهم سجون لبنان بحجة الانتماء لتنظيمات متطرفة هم من نازحي المخيمات البسطاء والذين لا يملكون أوراقا ثبوتية بالأصل بعد أن تركوها خلفهم في مدنهم المحتلة في القلمون.
وينوه الشامي إلى أن نسبة لا بأس بها من النازحين فضّلت التوجه للجرود والإقامة خارج حدود عرسال رغم صعوبة ظروف الحياة وخطورة الوضع بسبب القصف المستمر، إلا أنها وجدت أن ذلك يبقى أهون من البقاء في المخيمات والعيش في جو الرعب وانتظار الاعتقال والسجن بين الوقت والآخر.
ردود الفعل عند أهالي عرسال
من الجانب الآخر، أيّد بعض أهالي عرسال حملة المداهمات التي قام بها الجيش، كونها – حسب تعبيرهم – سلطت الضوء على المجموعات التي كان لها "تحركات سلبية في البلدة".
"حسين الفليطي" أحد سكان البلدة ذكر أن العلاقات بين السوريين واللبنانيين تتوتر دائما بعد كل مشكلة أو اقتحام للجيش، متوقعاً، أن تسوء الأوضاع في الأيام القادمة وأن يكون هناك تصادم مباشر بين الجانبين.
من جانبه قال "سامر الحجيري" أنه حتى الآن لم تظهر علامات احتقان بين السوريين واللبنانيين، والعلاقة لا تزال جيدة بين الطرفين "حتى الساعة"، متهماً حزب الله أنه وراء كل ما يحدث، فهو يختلق الفتن داخل البلدة منذ زمن، وان استطاع الوصول إلى مراده "سيُهجرنا مع 100 ألف نازح، وهذا بالضبط ما يريده النظام السوري".
يشار إلى أن بلدة عرسال تضم قرابة الـ 100 ألف نازح من مدن القلمون وحمص، يتوزع معظمهم على 62 مخيما، في حين يتواجد أكثر من 15 ألفاً منهم خلف حواجز الجيش اللبناني، والذي يمنعهم من الدخول الى البلدة والحصول على ما يحتاجونه من مواد.