أخبار الآن | دمشق – سوريا – (آدم النقاش)
أنت في سوريا، هناك مطار دولي ورحلات يومية إلى بعض دول العالم، لكن ذلك لن يمنع القائمين على شركة الطيران السورية التي تسير طائرتها الوحيدة المتبقية إلى وجهات متعددة، من إلغاء أو تأجيل الرحلة قبل ساعة من موعدها، فآخر همهم المواطن السوري "المعتر" الذي يضطر أحيانا للاستدانة للحصول على تذكرة سفر تعادل قيمتها راتب موظف سوري لسنة كاملة.
هذا سبب كاف ليعدل الجميع عن السفر بتلك الطائرة ويستبدلوها بالسفر عبر الحدود البرية إلى لبنان ومن هناك يمكنهم حجز رحلتهم على الطيران الأنسب كل حسب وجهته.
الرحلة إلى بيروت تحتاج في أبسط الأحوال إلى البحث عن حافلة "بولمان" وتحمل رحلة شاقة وطويلة قد تدوم يوما كاملا، أو الوصول إلى كراج "السومرية" ومشاركة ثلاثة ركاب آخرين سيارة أجرة إلى لبنان، والحل الأخير أن يمتلك السوري سيارته الخاصة.
تكلفة هذه الرحلة تتعدى 50 دولار أمريكي ما يعادل في هذه الأيام 20 ألف ليرة سورية، وقد تصل أحيانا إلى 100 دولار أمريكي أي 40 ألف ليرة سورية.
المسافر هنا لا يكف عن التفكير بطريق الرحلة الذي سيسلكه عبر حواجز عدة بدأ من دمشق وصولا إلى الحدود السورية، ووقوفه عند حاجز الفرقة الرابعة والخضوع للتفتيش.
ينزل الركاب من السيارة وتفتش الحقائب بدقة، إلا في حالة واحدة، إذا دفع المواطن رشوة للضابط أو للعسكري على الحاجز.
سائقو السيارات على اختلاف انتماءاتهم باتوا اليوم يحفظون الحواجز عن ظهر قلب، فآخر حاجز على المتحلق الجنوبي في دمشق باتجاه لبنان، يمكن تجاوزه بسهولة بعلبة أو علبتين من سجائر "كنت" كرشوة، وحاجز الرابعة على طرق دمشق بيروت يسهل عبورهم بعلبتي سجائر "مالبورو" يضعونها في صندوق السيارة الخلفي إلى جانب إحدى الحقائب، فيستلها العسكري ويبتسم لهم قائلا: "شو .. ع بيروت؟"، كل ذلك دون أن تلمس الحقائب الأرض.
ظافر محام سوري حصل على حجز فندقي ويحمل بطاقة نقابة المحامين التي تسهل له العبور إلى لبنان، حكى لنا عن رحلته الماضية قائلا: "على الحدود السورية اللبنانية (الجمارك السورية) اقترب كلب بوليسي من السيارة التي تسبقنا، خافت زوجتي فطمأننا السائق بأن 200 ليرة سورية كافية لرشوة كلب الضابط للمرور.
تسجيل صوتي لسائق سيارة أجرة يتحدث عن رشوة الكلب:
ظافر حكى لنا قصة رحلته كاملة وكيف يعاملون الناس على الحدود السورية اللبنانية (الجمارك اللبنانية) هناك كاد البرد يقتل المسافرين، والكل يتدافع إلى الشباك ليحصل على ختم العبور، والضابط يصرخ بوجههم، شيوخا ونساء وحتى الأطفال لم يسلموا من صراخه.
يسحب أحد العساكر جواز سفر أكثرهم فقرا وينقش له ختما يمنعه من دخول لبنان لمدة سنة كاملة، يتراجع الجميع خوفا، ثم يعود ليصرخ مناديا: "مين فيكم لبناني" ترتفع الأيادي .. بعضها يقصر ويطول، يتردد أصحابها في مدها على طولها، الخوف العربي يجثم على الصدور .. لبناني يقف مترددا، فيصرخ به الجميع: "لك فوت خلصنا بدنا يلحقنا الدور".
يدخل اللبنانيون بلدهم .. وينتظر الباقون.
ينادي الضابط مرة أخرى: "مين معو بسبور أجنبي" يمر اثنان أو ثلاثة.
ثم ينادي: "مين معو إقامة ببلد عربي أو أجنبي" .. فتدخل سيدتان ورجل.
منى سيدة مقيمة في دولة الإمارات، مرت على هذا الحاجز الجمركي وتحدثت لأخبار الآن عن تجربتها: "دخلنا وسألني الضابط الشاب دون أن ينظر في وجهي .." شو معك بطاقات، مو حاملة حجز فندقي، كيف بدك تفوتي ".. ومن دون أن أنظر في وجهه فتحت له جواز سفري على صفحة الإقامة، دق لي ختما كتب بجانبه (شهر واحد) ومضيت ".
يعبر اللبنانيون إذا وأصحاب الجنسيات الأخرى والإقامات ومن يحمل مبلغ ألف دولار (400 ألف ليرة سورية)، أو من لديه حجز فندقي، وينتظر البقية أدوراهم لساعات علهم يعبرون إلى مكان ما، هم السوريون البسطاء، يبحثون عن ذرة أمل للحياة في خيم النزوح المهترئة أو في بيوت لا تصلح للعيش لكنها تصلح لحفظ الكرامة .. أو في بحر يفتح فمه لالتهام المزيد من الباحثين عن الحياة ولا يشبع.
بتول سورية حاصلة على جنسية كندية، تقول لأخبار الآن: "بعد يوم من المعاناة على الحدود السورية اللبنانية، وصلت إلى مطار بيروت ومنه إلى كندا، وهناك وصلت إلى الشباك بكل هدوء، حيث الضابط الشاب الذي نظر في أوراقي ثم نظر إلي مبتسما، وقال" أهلا بعودتك "(مرحبا بك مرة أخرى)".