أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (مها رباح)
هنا، وفي هذه الغرفة الفقيرة يقضي "زاهر" 28 عاما من كفرنبل معظم وقته بمفرده بعيدا عن أقاربه بعد أن خرج من مشفى ابن خلدون "الدويرينه" للأمراض النفسية والعقلية في حلب، ليس لأنه شفي ولكن بسبب سيطرة قوات المعارضة على المنطقة منذ سنة تقريبا، فقاموا بإخراج كل من في المشفى وإعادتهم إلى أهاليهم.
زاهر واحد من العديد من المرضى النفسيين الذين عاشوا معاناة مضاعفة في ظل الحرب، فهو قد ذاق مرارة اليتم حين أصبح يافعا في العشرين من عمره حين توفي والداه فأرسله أقاربه إلى مشفى ابن خلدون للأمراض النفسية بسبب إصابته بمرض الخمول في المخ، ولكن حتى المشفى لم يدم له طويلا بسبب تكرر الاشتباكات في حلب، والآن بعد أن أصبح المشفى بيد النظام أعلن النظام إعادة جميع المرضى النفسيين إليه.
يقول "أبو عمر" أحد جيران زاهر: "أحيانا نسمع كلاما يخرج من غرفته وكأن أحد يحدثه بالرغم من وجوده بمفرده، وأحيانا أخرى نسمع صراخا عاليا في منتصف الليل مما يجعل أولادي يخافون منه ومن اللقاء به في الطريق خارج المنزل"، ويحاول أبو عمر حاليا أن يؤمن له كفالة يتيم من أحد المتبرعين، على حد قوله.
ابن عمه "رئيف" 38 عاما، يقول أنه ينوي حاليا أن يعيده إلى المشفى لعله الأنسب له، حسب اعتقاده، ولكن يوضح بأنه يجد صعوبات في الوصول إلى هناك بسبب الحواجز الأمنية على الطرقات.
صعوبة العلاج في ظل الحرب والنزوح
كانت أغلب الحالات من المرضى النفسيين والعقليين في ريف إدلب وعلى مستوى كفرنبل بالتحديد يسكنون عند أهاليهم بشكل اعتيادي وتتم رعايتهم بشكل جيد، حيث يتولى الأهل رعايتهم وحالات قليلة هي التي يرسل فيها المريض العقلي إلى المشافي المختصة وذلك عندما لا يتوافر راع لذلك المريض كوفاة الأبوين أو الحالات التي يشكل فيها خطرا على من يحيط به، أما في ظل الحرب فقد تضاعفت المعاناة في رعاية مثل هذا النوع من المرضى وأصبحت متعبة بسبب النزوح والفقر وصعوبة تأمين احتياجاتهم.
"محمد" 16 عاما، على سبيل المثال من "الزيادية" في ريف حماة، مصاب بالصرع وهو الابن الثامن لوالديه، نزح مع أهله من ريف حماة إلى قرية "معرشمشة" شرق معرة النعمان، تقول والدته بأن رعاية أولادها السبعة تعادل رعايته وحده فهو يحتاج إلى مراقبه دائمة ومتابعة باستمرار فهو "يشكل لي ولوالده عبئا آخر في ظل نزوحنا وتنقلنا ومآسي الحرب".
ويوضح الأب أن أغلب الأدوية النفسية مفقودة من الصيدليات والمشافي، وهي غير موجودة بشكل دائم وخاصة أدوية الصرع "الديباكين" لأن التركيز بات على الأدوية الأخرى التي تخص الجروح والإصابات العظمية والأمراض الجسدية في ظل الحرب.
غياب المراكز المتخصصة في المناطق المحررة
ويضيف أبو محمد بأن المناطق المحررة لا زالت تفتقر لمراكز خاصة بمثل هؤلاء المرضى تساعد في رعايتهم ولو لفترة محددة من الوقت، وغالبا إن وجدت تكون غير مهيأة بشكل يجعلها تستقبل جميع الحالات المرضية. وتجري المحاولات حاليا لإقامة مركز لذوي الاحتياجات الخاصة في معرة النعمان لكنه مخصص لاستقبال الأطفال من سن 15 سنة فما دون بينما لا توجد مراكز صحية نفسية وعقلية إلا في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام فقط مثل حلب ودمشق وحماة.
الدكتور "يمان حنيني" 36 عاما، من كفرنبل يفيد بأن عدد المرضى العقليين والنفسيين زاد بشكل كبير بعد الثورة بسبب سوء الأوضاع والخوف من القصف بشكل خاص، وأكثر الحالات المرضية التي مرت عليه هي انفصام الشخصية، داء الرهاب، الهلوسات، اضطراب الشخصية حيث زادت هذه الحالات بنسبة الضعف حسب تقديره. ويؤكد حاجة المنطقة الماسة في إدلب وريفها لإقامة مركز لاستقبال هذه الحالات وعلاجها.
"جلال" 40 عاما، من كفرنبل بدأت علامات المرض بالظهور عليه بعد السنه الثانية من الثورة بحسب أخته "نداء"، تقول: "بالرغم من أن أخي كان متزوجا ولديه ثلاثة أولاد وكان مرتاحا في حياته إلا أنه أصبح فجأة يصعد إلى أعلى سطح منزله ومن ثم يخلع ملابسه دون سبب".
وتضيف أنه بات يشكل خطرا على من حوله في الفترة الأخيرة حيث تطور به المرض فأصبح عدوانيا بشكل كبير، فكثير من المرات حاول قتل زوجته وأولاده بطرق متعددة مثل السم والحرق، إلى أن قرر السفر فجأة إلى تركيا منذ ثلاثة أشهر، وحسب زوجته فهم لا يعرفون عنه أي شيء حاليا ولا حتى أين يسكن.
تقول المرشده النفسية "فاتن" والتي تعمل في مركز مزايا كفرنبل أنه تفاديا لانتشار المزيد من الأمراض النفسية بادرت بعض المراكز في المنطقه كمركز مزايا النسائي بإعطاء دروس في الدعم النفسي في ريف إدلب وذلك عبر النت الفضائي وبواسطة محاضرين مختصين عرب ومغتربين في تركيا، وتفيد بأن هذه المحاضرات تجري بشكل دورات شهرية وهذه من ضمن الإجراءات الوقائية في زمن الثورة .