أخبار الآن | الريحانية – تركيا (وضحى عثمان)

تستمر محاولة نظام الأسد بقتل الشعب السوري بشتى الطرق، من طائرات ومدافع وغازات سامة، لتكتمل مسرحية الدم السوري، قتل وتشريد وإقصاء عن حلم العيش بالحرية والأمان.

سوريون كثر قضوا بالبراميل أو اختناقا وفي أقبية المعتقلات المخابراتية وغيرها، وبقي الكثير ممن يصارعون واقعا لم يكن متوقعا وهو "الإعاقة".

إصابات الحرب على المدنيين

لجأ نظام الأسد إلى أساليب كثيرة، فمن لم يمت بات نازحا أو معتقلا، وفي أحسن الحالات معاقا. فقد نجم عدد كبير من الجرحى والمصابين خلال العمليات العسكرية، وأصبحوا أشخاصا ذوي إعاقة دائمة، بسبب شدة الإصابة أو عدم توافر الإسعاف والعلاج الطبي وإعادة التأهيل اللازم. وكانت المشافي المتواجدة في المناطق المحررة، تقوم بتخريج المرضى بسرعة بسبب الضغوطات الكبيرة وعدم توافر القدرات والإمكانيات للتعامل مع أعداد كبيرة من الجرحى.

ونتيجة قلة الكوادر الطبية المختصة في ظروف القصف اليومي، تم إهمال الحالات غير الحرجة بشكل بديهي بسبب الإصابات الخطيرة الأخرى، ونتيجة لذلك ازدادت الاضطرابات النفسية الشديدة لدى الكثير من هؤلاء.

"عمر باريش" أحد رموز الثورة في مدينة سراقب، شاب كان يملك الحيوية والنشاط، أنشد للحرية بصوته ودافع عنها بسلاحه، وكان من أوائل الشباب الذين التحقوا بالثورة .

تعرض عمر لإصابة في رأسه أدت به إلى شلل كامل في الأطراف، وبعد أكثر من سنة ونصف قضتها أمه للهروب بولدها من مكان إلى آخر خوفا عليه من اقتحام قوات النظام المدينة، وبحثا عن علاج له، استطاع عمر السير على أقدامه، بعد أن خضع للعديد من جلسات العلاج الفيزيائي، لكنه لا يزال غير قادر على النطق وفاقدا لجزء كبير من ذاكرته.

ثورة مستمرة وقسوة المصائر

يقول "يسار" شقيق عمر: "لقد كان شابا طموحا، حصل على الشهادة الثانوية العامة، وكان يرغب بدراسة الحقوق، وتزامن ذلك مع بداية الثورة، وبعد عامين من بذله كل ما يستطيع، تعرض لكمين غادر من قوات النظام، وأصيب مع مجموعة من رفاقه، أدت به إلى شلل شبه كامل، فلم يتلقى علاجا مناسبا، وعلى إثر الإصابة فقد جزءا من ذاكرته، لكنه لم يفقد كرامته ولم يقبل إلا أن يعمل في محل لبيع الألبسة المستعملة، بظروف صحية قاسية، وهكذا ودع عمر نضاله بالثورة ليناضل في سبيل عيشه".

أما "كريم" ابن مدينة حلفايا الذي كان طالبا في كلية الطب البشري، فقد تعرض لإصابة بالغة في ساقه، حيث كان ناشطا طبيا وميدانيا، يرافق الجيش الحر في عملياته العسكرية، فأصيب بغارة حربية أثناء معارك مورك، وأسعف إلى تركيا، وانتهى به المطاف أن لجأ إلى ألمانيا، ليكمل رحلة الحرية بطريقته، حيث يقوم بنقل مأساة السوريين للعالم، من خلال نشاطه الإعلامي.

يقول كريم: "رغم الألم ورغم وضعي الصحي السيئ، أحمل همّ من تُركوا بلا أمل ويصارعون الإعاقة بظروف غير إنسانية، وأغلب هؤلاء من حملة الشهادات، إنهم شباب دفعوا أجسادهم ثمنا لحريتهم".

صراع مميت لهؤلاء، فلا مكترث لشأنهم، باستثناء مراكز متواضعة لتركيب الأطراف من الدرجة الثالثة، وبالرغم من ذلك إلا أنها قليلة، ليبقى من فقد أحد أطرافه يعاني قسوة الحياة، صحيا ونفسيا.