أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)

لم تكن "رؤى" 23 عاما، تتوقع يوما أن ينتهي بها الأمر بعد خروجها من سجن النظام بأن تصبح منبوذة من مجتمعها، منفية عن وطنها.

رؤى هي واحدة من مئات الطلاب الجامعيين الذين تعرضوا للاعتقال من قبل قوات الأسد سواء بسبب آرائهم الرافضة لسياسات النظام أو بسبب نشاطاتهم الثورية، أو حتى في كثير من الأحيان عدم علاقتهم نهائيا بما يجري وإنما نتيجة تقرير كاذب لأحد المغرضين، وبالتالي يكون الشخص فريسة سهلة لهذا التقرير.

اعتقال المرأة بين سجنين

ولكن سبب اعتقال رؤى مختلف هذه المرة فهي ليست ناشطة، وإنما ذنبها الوحيد أن كنيتها هي ذات الكنية لقائد معروف في الجيش الحر، وهذا ما دفع الحاجز الأسدي لاعتقالها على طريق حلب – معرة النعمان في أواخر شهر حزيران من عام 2014.

تروي رؤى ما جرى معها قائلة: "مررت بلحظات عصيبة داخل السجن، وتعرضت لتحقيقات ومضايقات عديدة وهم يسألونني عن قرابتي بهذا القائد، وكنت أجيب دائما بأنني لا أعرفه ولا يوجد أية صلة قرابة بيني وبينه". وتردف متحدثة عن شعورها في تلك اللحظات "كان الخوف يرافقني في كل لحظة، فأنا غدوت بين أيدي طالمين لا يخافون الله"، لم تسترسل رؤى بالحديث وإنما اكتفت بذكر أنها خرجت من السجن بعد ستة أشهر.

لم تكن رؤى سعيدة بنيلها الحرية، فهي اعتبرت حياتها قد انتهت منذ دخولها السجن وتضيف "إن العادات والتقاليد التي تسيطر على قريتي كفيلة بأن تضعني في سجن آخر أكبر وأوسع، أعرف أنني بت مذنبة في نظر الجميع، ذنب نسب إلي دون ذنب".

وتتابع بأن أهلها ما إن علموا بخبر خروجها من السجن حتى أرسلوا إليها من يستقبلها على الطريق العام وهو أحد إخوتها الذي تابع طريقه معها ولكن ليس للمنزل وإنما إلى تركيا.

ظنت رؤى في البداية بأن أهلها نزحوا إلى هناك، ولكنها علمت فيما بعد بأنهم لا يزالون في القرية ولكنها رغبتهم بإبعادها لكي لا يراها أحد.

وتؤكد رؤى بأن أخيها قام بإيصالها لأحد أقربائهم اللاجئين في تركيا قائلا لها "ابقي هنا إلى أن ينسى الناس هذه المصيبة".

وتتساءل رؤى بلهجة يائسة من كل شئ "لماذا علينا نحن النساء في هذه المجتمعات أن نحتمل ظلم كل من حولنا، حتى من أقرب الناس إلينا؟".

تجاوزات النظام والأعراف الاجتماعية

وعن هذه القضية تتحدث "أم علي" 49 عاما، إحدى جارات أهل رؤى حيث تقول: "اعتقال الفتاة العزباء في مجتمعنا هو أمر في غاية الخطورة، كوننا بتنا نعرف ما الذي يجري للفتيات داخل السجون من الإعلام وشاشات التلفزة"، وتنوه قائلة "فكرة اغتصاب الفتاة هي أكثر ما يؤلم الأهل ويحرج موقفهم، ويتمنون لو أنها ماتت سيكون ذلك أسهل عليهم من كلام الناس القاسي، والأكثر صعوبة في الأمر بأن سيرة هؤلاء الفتيات سيكون حديث الناس لوقت طويل".

أم علي تعرف بأن الفتاة ليست مذنبة في شيء ولكنه "المجتمع الذكوري الذي لا يرحم".

لم تكن رؤى الوحيدة المعتقلة في قرى جبل الزاوية، بل هي واحدة من أكثر من مائة معتقلة غيرها لسن عازبات  فقط وإنما متزوجات أيضا ولو كن الأخيرات وضعهن أقل سوءا.

"صفية" من قرية "البارة" 46 عاما، أم لخمسة أولاد وبنتين، تم اعتقالها على حاجز حماة بعد أن رافقت ابنتيها للمحافظة لتقديم امتحاناتهما الجامعية.

كانت صفية قد رافقت ابنتيها حتى السكن الجامعي دون مشاكل حيث ستقيمان فيه حتى انتهائهما من تقديم الامتحانات، بينما توجهت الأم في طريق عودتها إلى القرية، ولكنها تفاجأت بإنزالها من السيارة واعتقالها من قبل أحد الحواجز.

ضجّت القرية بخبر اعتقال صفية وما جرى معها، وبدأت الأقاويل عنها وعن سبب اعتقالها، ومنعا لاستمرار الحديث عنها اضطر ذويها لإشاعة خبر "وفاتها" داخل المعتقل، وهنا توقف الناس عن الخوض في سيرتها وما قد يجري معها، ليفاجئ الجميع بخروجها من السجن بعد ثلاثة أشهر وعودتها للقرية في حال يرثى لها، وهذا ما يدل بأنها تعرضت لتعذيب شديد. وبعد إدخال صفية لمشفى القرية ومعافاتها رفضت الحديث عن أي شيء حدث معها هناك في  سجون النظام، وكانت تردد "لدي أولاد في الجامعات، لا أريد أن يخسروا جامعاتهم ومستقبلهم لذلك لست مضطرة للحديث عما جرى معي لأحد".

وفي الوقت نفسه تشعر صفية بأنها فقدت شيئا لا تعرفه، وهو ما جعلها منطوية على نفسها وقلما تخرج من منزلها أو تواجه أحدا بالرغم من أنها اجتماعية المعشر وتحب الخروج وزيارة الجيران والأصدقاء.

تعتيم الأهالي يضرّ بالمعتقلات

"أبو ليث" 42 عاما، أحد القياديين في فصائل المعارضة في جبل الزاوية يأسف بدوره لهذه الاعتقادات والعادات والتقاليد التي تجعل من أهالي المعتقلات يشعرون بأن بناتهم مذنبات، ويحاولوا أن يخفوا خبر اعتقالهن، وهذا أمر خاطئ، ويعبر عن ذلك قائلا: "قلما نسمع عن وجود معتقلات من ريف إدلب، لأن الأهالي يعملون دائما على تعتيم الخبر وبالتالي حرمان بناتهم فرصة أو أمل الخروج من السجن عن طريق توثيق أسمائهن والعمل على مقايضتهن على أسرى النظام لدينا".

ويضيف أبو ليثه: "لا ذنب لبناتهم ونسائهم إلا أنهن تحدين الظروف وآثرن متابعة حياتهن الطبيعية، واعتقالهن من قبل نظام الأسد ليس ذنبهن وإنما هو ذنب هذا النظام الغاشم الذي لا يفرق بين شاب وفتاة أو شيخ أو طفل". وبالرغم من ذلك يشير أبو ليث إلى ضرورة عدم الذهاب لمناطق النظام لأننا في حالة حرب وعلى الجميع الاستعداد لجميع الاحتمالات، ويختتم حديثه بأن نظام الأسد لا يتوانى عن فعل كل شيء لإخضاعنا وبكل الطرق والوسائل.