أخبار الآن | دمشق – سوريا (أنس المصري)
إذا كنت تتردد بشكل دوري على شوارع وسط العاصمة دمشق، وعلى وجه التحديد شوارع مثل "التجهيز" و"الشعلان" و"شارع العابد"، فلا بد أنك التقيت صدفة برجل طويل القامة يرتدي معطفاً سميكاً وتبدو عليه سمات التسوّل والفقر.
بالتأكيد يمرّ الكثير من الفقراء وممن لا يملكون مأوى في الشوارع المذكورة آنفاً، لكنّ قصصهم قد تختلف قليلاً عن قصة "عماد حقّي" بطل سوريا والعرب السابق في لعبة الشطرنج، وابن الروائي الراحل بديع حقي.
المحترف المجهول
قبل الكشف عن هويته مؤخراً وانتشار قصته على مواقع التواصل الاجتماعي كان من المألوف أن ترى يومياً في أحد مقاهي الشعلان مجموعة من الشباّن تتحلّق حول رقعة شطرنج بصحبة شخص يرتدي ملابس رثة ويستغرق طويلاً في أفكاره قبل الشروع في أي حركة تسفر في النهاية عن هزيمة لهذا الشاب أو ذاك، لتراهم بعدها مذهولين من قدرات هذا الشخص الموهوب تعيس الحظ.
لكنّ أحداً من هؤلاء لم يكن ليخطر في باله أن هذا المحترف هو "عماد حقّي" المولود عام 1956، والذي بدأ بممارسة لعبة الشطرنج منذ صغره، حتّى تمكّن من لعب أول بطولة رسمية له وهي بطولة دمشق للرجال عام 1973 حين كان عمره 17 عاماً فقط.
عقب ذلك تنقّل عماد حقي بين أندية متعددة منها الجيش، والمحافظة ليحصل لاحقاً على بطولة الجمهورية لأكثر من عشر مرات، كما حصل على بطولة الفرق العربية مع المنتخب السوري سنة 1989، وكان من أواخر إنجازاته "الميدالية الذهبية لفردي الرجال" في الدورة العربية بمصر عام 2007، إضافة للميدالية الفضية مع المنتخب السوري بنفس الدورة.
الرجل الذي لعب مع كاسباروف
كثير من السوريين كان قد سمع باسم "عماد حقّي" عقب مباراته الشهيرة مع الأسطورة الروسي "غاري كاسباروف" إلا أنّ خصم كاسباروف لم يتبق له خصوم اليوم سوى بضعة شبان هواة قد يقبل باللعب معهم إذا كان مزاجه رائقاً، وذلك بالإضافة إلى الخصوم الأكبر المتمثلين في قسوة برد الشتاء هذا العام، أو القذائف الطائشة التي تستهدف أحياناً وسط المدينة.
لكنّ خصم عماد حقّي وسائر الرياضيين الموهوبين في سوريا يبقى دائماً هو الاتحادات الرياضية ومنها اتحاد "لعبة الشطرنج" الذي لم يكلّف القائمون عليه نفسهم في إيجاد مأوى وحماية اجتماعية للبطل الذي حمل لعب باسم بلاده في العديد من المنافسات الدولية.
الشعور بالعجز
حين سترى عماد حقي في مسيرك القادم في شوارع وسط المدينة ستتألم للحالة الرثة التي وصل إليها واحد من رموز الرياضة السورية في الماضي، إلا أنّك للأسف لن تستطيع تقديم مساعدة مباشرة للشخص الذي لم تقدّم له الدولة أي شيء، بل ربّما من الممكن القول أنها سلبته أجمل سنين عمره، ثم تركته لمصيره بعد أن استنفذت موهبته.
وحتى لو رغبت في تقديم المساعدة فإن مجرّد التوقّف مع هذا المجهول في أحد الشوارع على مرأى من الحواجز، أو الجلوس معه على طاولة أحد المقاهي على مرأى من مخبريها قد يعرّضك للمساءلة الأمنية في أحسن الأحوال، والاعتقال في أسوأها. لذلك ترى كثيراً ممن عرفوا البطل السابق يمرون من أمامه اليوم وعيونهم تدّعي عدم معرفته، خوفاً من تبعات أمنية، أو خوفاً من انتقال عدوى اليأس والعدمية التي توصّل إليها البطل السابق.
لا يختلف مصير عماد حقي اليوم عن المئات من السوريين الذين فقدوا توازنهم العقلي والنفسي بسبب فقدانهم لعزيز، أو خروجهم من تجربة اعتقال أو حصار. لكنّ قصّة خسران بطل سوريا لعقله وذكائه اللذين كان يعتمد عليهما في لعبة الشطرنج تدعو للأسى والحسرة رغم كل شيء.