أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)
يقف "أسامة" 10 أعوام، وسط البرد الشديد، واضعا يديه في جيوب بنطاله محاولا تدفئتها، بانتظار أن يبيع شيئا من بضائعه ثم العودة ببعض الطعام لأمه وأخوته.
أسامة من مدينة كفرنبل واحد من عشرات الأطفال الذين اضطروا أمام استشهاد آبائهم وفقدانهم المعيل إلى ترك دراستهم والنزول إلى سوق العمل لمساعدة أسرهم في ظروف هي الأصعب والأقسى من كل وقت.
الآباء الصغار
يقول أسامة: "لست آسفا على ترك الدراسة، لأن الظروف التي نمر بها أنا وأسرتي تستدعي العمل والسعي وراء الرزق". يشعر أسامة بالمسؤولية الكبيرة التي ألقيت على عاتقه كونه الابن الأكبر للعائلة، ويحاول بصبر وجلد أن يعمل لتحسين حال أسرته.
تقول أم أسامة 39 عاما: "استشهد زوجي خلال قصف الطيران الحربي لمدينتي في أواخر أيلول 2013، تاركا لي خمسة أطفال، لم أعرف كيف سأنفق عليهم وأنا لا أتقن أية مهنة، اضطررت لبيع مصاغي، وشراء الألبسة بثمنها حيث راح أسامة يعرضها في أسواق المدينة، ويعمل على بيعها، وما يربحه كانت العائلة تقتات به ريثما يبيع قسما آخر في اليوم التالي".
وتتابع: صحيح أن ولدي أسامة تخلى عن دراسته، ولكن التعليم تضرر كثيرا في هذه الظروف ومعظم الطلاب تخلوا مضطرين عن دراستهم لأسباب كثيرة أهمها القصف والنزوح.
"عمر" 14 عاما، لم يكن بأحسن حالا من أسامة، فقد غادر المدرسة واتجه لإعالة إخوته وأبيه العاجز عن طريق بيع بعض المكياجات والعطور والإكسسوارات في شوارع المدينة.
يقول: "نحن فقراء وإن لم أعمل سنموت جوعا. إنها بضاعة والدي، كان يبيعها قبل تعرضه لشظية قذيفة تسببت في بتر قدمه".
يعتبر عمر أن أحلامه بالدراسة والتعليم قد تلاشت كما تلاشت أحلام الكثيرين "حرب وتعليم ليست منطقية وإنما حرب وجهل .. سلام وتعليم" هذه هي المعادلة المثالية بنظره.
عدم جدوى التعليم .. أطفال في سوق العمل
الظروف القاسية التي دفعت كل من أسامة وعمر للعمل لا تشبه ظروف "خالد" 12 عاما، الذي توجه لتعلم مهنة "الحدادة" برغبة من والده، الذي يقول: "لم يعد هناك مستقبل للدراسة وسط ما تعيشه البلاد من حرب لا هوادة فيها، وحتى المتعلمين وخريجي الجامعات لا يجدون عملا في هذه الظروف. لماذا عليّ أن أجعل ولدي يدرس مواجها الأخطار وفي النهاية لا يجد عملا أو وظيفة".
ويوضح أبو خالد بأنه يكفي لولده خالد أن يجيد القراءة والكتابة وهو الآن فعلا يجيدها كونه نجح للصف السابع، وبرأيه أنه من الأفضل أن يتجه الآباء لتعليم أبنائهم مهنة ما، يستطيعون من خلالها الاعتماد على أنفسهم في المستقبل: "ذلك خير من أن يقضي هؤلاء الأطفال أوقاتهم في الشوارع هاربين من المدارس المستهدفة كلما مرت الطائرة الحربية في سماء المدينة، ولا يخفى على أحد زيارة تلك الطائرات لسماء المدينة بشكل شبه يومي". ومن جهته فإن خالد مقتنع بما يفعله والده قائلا "أهلنا يعرفون مصلحتنا أكثر منا".
وفتيات صغار أيضا في سوق العمل
لم تقتصر عمالة الأطفال في إدلب وريفها على الذكور وحسب، وإنما الإناث أيضا كان لهن حضور في هذا المجال.
"ماجدة" لم تبلغ الحادية عشرة من عمرها، وهي الآن تقصد إحدى الخيّاطات الماهرات لتعلم مهنة الخياطة بطلب وتوجيه من أمها التي تقول: "لم أعد آمن على ابنتي بذهابها الى المدرسة خاصة وأن المدرسة بعيدة بعض الشيء عن منزلنا، وهي تذهب لوحدها في كثير من الأحيان لأن أخواتها لا يستطيعون مرافقتها دائما، فبالإضافة لحالات اختطاف سمعنا عنها لطلاب مدارس، هناك استهداف للمدارس التي تتعرض للقصف بشكل شبه مستمر".
هذه الأسباب دفعت الأم لجعل ابنتها تتخلى عن دراستها وتوجيهها لتعلم مهنة الخياطة لأنها بنظر الأم مهنة جيدة وستكون "سلاحا لماجدة من غدر الزمان”.
"أبو أحمد" 41 عاما، أحد وجهاء مدينة كفرنبل، لا يجد مشكلة بالنسبة لعمالة الأطفال شريطة ألا يكون العمل شاقا وأن يتناسب مع عمر الطفل، وبرأيه أن الأهالي لا يدفعون بأبنائهم للعمل إلا إذا كانت لهم أسبابهم ودوافعهم لذلك، وينوه أبو أحمد: "لا يمكن أن نتغاضى عما يحدث من ظروف معيشية قاسية وأوضاع سيئة تجبر هؤلاء الأطفال على العمل، كما تجبر الأهالي مرغمين بالاعتماد على أطفالهم، وفي النهاية نحن لا نعيش حياة طبيعية، إنها الحرب وتداعياتها".
من جهة أخرى يأسف الأستاذ "رياض" 35 عاما، معلم اللغة العربية، لما آلت إليه أحوال الأطفال السوريين، الذين قضت الحرب على آمالهم الدراسية والتعليمية: "كنت أرى مدارس تمتلئ بالطلاب الذين يحملون بداخلهم طموحات وأحلام كبيرة، ولكنني بت أرى أعدادا قليلة تحمل في داخلها الخوف والإحباط".
ويحذر الأستاذ رياض من عواقب هذه الحرب على أطفال سوريا قائلا: "لا شك بأن المستقبل سيكون مأساويا بالنسبة للأجيال القادمة، فالحرب قضت على تعليمهم وسمحت للتخلف والجهل بالانتشار على نطاق واسع" متمنيا بأن تأتي معجزة إلهية تنهي هذه الحرب وتنقذ ما تبقى من أطفال سوريا.