أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)
عسكري يساعد الناس على الحواجز، رجل يعطي جرة غاز لآخر، طفل يملأ وعاء طفل آخر بالماء، ورجل آخر يسعف مصابا وغيرها من الأعمال الإنسانية عرضت ضمن برومو حملة "عيشها غير" التي بدأت تغزو إعلاناتها طرقات دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام بداية العام 2015. لم يفهم الناس سبب وجود جملة "2015 .. عيشها غير" ولم يفهموا مغزاها، فصارت بالنسبة لهم جملة للتهكم والسخرية.
هل عاش الشعب السوري عام 2015 غير؟
يبدو أن العام 2015 كالعام السابق وأكثر قليلاً، جاء مشبعاً بالكوارث التي حلت على الشعب السوري، حين قرر بشار الأسد زيادة منطقة جوبر في ريف دمشق في الساعات الأولى للعام الجديد ليتفقد سير العمليات العسكرية فيها، وكان العام مثل الزيارة مخيب للآمال الشعبية وشديد القسوة، معلناً من خلالها أن لا حل إلاّ التفاهم معه باعتباره قوة على الأرض. وعلى ذلك لم يتوقف القصف والتدمير بل ازدادت المجازر أكثر، وازدادت أعداد المعتقلين والشهداء تحت التعذيب، إلى جانب خروج مناطق كثيرة من الأرض السورية من أيدي أبنائها وسيطرة داعش عليها، حيث لمع نجم الأخير كثيراً هذا العام وكثرت جرائهم، ما أدى لتدخل قوات حربية أجنبية لمواجهتها، وبالتالي خراب الأرض السورية أكثر.
إلى جانب كل هذا شهد العام 2015 تدخل القوات الروسية إلى جانب النظام وقصفه لمناطق كثيرة من سوريا، وفي عام 2015 تحديداً ازداد دعم الميليشيات لقوات النظام وجيشه، حيث تم وصول العديد من المقاتلين الإيرانيين واللبنانيين وغيرهم. أخيراً وليس آخراً ازدياد أعداد اللاجئين السوريين وانتشارهم في العديد من البلدان الأوروبية، فضمن كل هذا الخراب والخذلان أيّ حياة غيّر عاشها السوريون؟.
حملة يقف ورائها النظام
جاء في التعريف الرسمي للحملة أنها "حملة من مواطنين عاديين هدفها ضخ حالة من الحراك الاقتصادي الإيجابي في البلد، بالإضافة لتعميم سلوكيات تؤمن بالتغيير وعدم الاستسلام للتحديات".
بسبب الترويج الإعلامي الضخم للحملة لا بُد من التشكيك بأنها حملة منتجة من قبل المؤسسات الحكومية، إضافة لرعايتها من قبل الوزارات مثل وزارة التربية ووزارة النقل ووزارة البيئة وغيرها.
وضمن سؤال كيف نعيشها غيّر يتساءل المواطنون في دمشق. "أبو عمر" 55 عاما يقول أن المؤسسة الاستهلاكية بدأت تقدم عروضها ضمن هذه الحملة، ولكن بشكل مخجل، مثل أن تشتري بقيمة 2000 ليرة سورية وتكسب حسم 10% يعني ما يقارب 200 ليرة سورية، وهذا أمر مضحك جداً.
"أم أحمد" 40 عاما، تشتكي حول قرارات وزارة التربية التي صرحت بها ضمن تبنيها لحملة عيشها غير بأنها ستكافئ المتفوقين في المرحلة الإعدادية وتقدم لهم دورات مجانية عند أساتذة متخصصين فما كان منها إلاّ أن أخذت ابنتها لتلحقها بهذه الدورات ولكن طلبها جوبه بالرفض لأنها من مدينة إدلب.
"سعد" 25 عاما، الذي قرر الاستفادة من الحسومات التي تقدمها الشركة السورية للطيران وضمن دخولها في حملة عيشها غير إلى جانب غيرها من المؤسسات الحكومية، يقول بأن الحملة وهم لا علاقة له بالواقع، فالشركة تقدم لك بعد رحلتك السابعة على خطوطها حسم 50% على الرحلة الثامنة وتحصل على رحلة تاسعة مجاناً، يختم سعد من الذي سيخرج من سوريا ويعود لها سبع مرات، نحن نحلم بالسفر؟.
بين الواقع والخيال
في برومو الحملة الذي يعرضه التلفزيون السوري الرسمي، يظهر في أحد المشاهد شاب جريح ملقى على الأرض في منطقة يبدو أنها شهدت انفجاراً، يسرع رجل آخر ليحمل الشاب ويسعفه إلى المشفى الفارغ النظيف والمجهّز بكافة الوسائل، فيدخل المصاب إلى غرفة العمليات دون سؤال أو استجواب، بخطوة تشير إليها الحملة بالقول "هيك كنا وهيك لازم نبقى"، في إشارة لدخول قطاع الصحة في حملة عيشها غير، بينما الناظر اليوم إلى أوضاع المستشفيات في دمشق يرى كم يكلف المسعف إسعاف الجريح من أسئلة واتهامات ممكن أن تبقيه ساعات في التحقيق. تقول "أمل" 27 عاما، الشعب السوري لا يحتاج لمن يرشده كيف يتصرف تجاه أخوته، فقد عُرف عن هذا الشعب محبته وإيثاره اتجاه المحتاجين.
بادرت وزارة الاتصالات كغيرها من الوزارات للانضمام إلى الحملة، فأصدرت العديد من التخفيضات والعروض للمواطنين مع بداية الشهر الثاني من العام الجاري، كإعلان عن رفع مجاني لسرعة الإنترنت. لكن الحقيقة تؤكد خلاف ذلك.
يقول موسى 35 عاما: "توجهت إلى مركز الهاتف طالباً الاستفادة من العروض، بدايةً واجهتني طوابير من الناس، وبعد انتظار لأكثر من ساعتين وعندما حان دوري فاجأتني الموظفة قائلةً لا علم لي بالحملة والتخفيضات والعروض، وإن التعليمات لم تعمم بعد". ويبدو أنها إلى اليوم لم تعمم. وتكمل سمر 29 عاما: "لا لزوم لكل تلك العروض والتخفيضات إذا كانت الحملة كلها وهمية، فمن اسمها الغامض تعرف أنها كذبة".
وبعد مرور عام كامل على التهليل والتزمير لهذه الحملة يحق للجميع التساؤل حول تحقيق أهدافها وغاياتها. وعلى حدّ قول المعنين بالترويج لها والذين شبهوها بالمثل القائل "اسعى يا عبدي وأنا بسعى معك" فالحملة تسعى فقط للتنفيس العام والتخدير بالعبارات الرنانة ومحاولة للإسكات وغض البصر عن الهم العام. وبتدقيق وتمحيص أكثر فإن العام 2015 شهد خلافاً للأعوام السابقة ارتفاعاً حاداً بالأسعار لكل من المواد الغذائية والدواء وإسطوانات الغاز والمحروقات، إلى جانب الانهيار المستمر لقيمة الليرة السورية. فكيف يمكن لمثل هذه الحملات أن تثير تشجيع وإعجاب المواطنين.
ويبقى جُل ما نتمناه أن يحمل عام 2016 على سوريا هموماً أقل وانفراجات أكبر. لربما حدث ما طلبه الكثيرون ورحل بشار الأسد ونظامه القاتل ليعيش السوريون حياة غير بكل معنى الكلمة.