أخبار الآن | الريحانية – تركيا (محمود العبدالله)
تُعتبر مدينة الريحانية التركية الواقعة في "إقليم هاتاي" على الحدود التركية السورية من أكثر المدن اكتظاظاً بالسوريين، إذ تجاوز عدد قاطنيها من السوريين عدد سكانها الأصليين، حيث يقيم فيها أكثر من 95 ألف نازح سوريّ هربوا من حمم طائرات النظام السوري بحثاً عن ملاذ آمن خالٍ من الأشلاء والدماء.
ورغم وجود العديد من المنظمات الإنسانية والمؤسسات الخيرية داخل هذه المدينة إلاّ أنها تقف عاجزة عن تقديم كل الاحتياجات والمتطلبات للأهالي، وهو ما أوجب على الناشطين هناك القيام بمبادرات فردية ومشاريع تسعى لخدمة المجتمع وتنميته.
ومن ذلك ما فعلته الناشطة "لمياء نحاس" التي درست القانون والحقوق في جامعة حلب، حيث قامت بفتح مدرسة "أنوار البيان" في حي "كولتيبي" بمدينة الريحانية وباتت هذه المدرسة مقصد الطلاب الذين كانوا محرومين من حق التعليم.
أسباب تأسيس المدرسة
أهم الأسباب التي دفعتها لتأسيس مدرسة "أنوار البيان" وجود الآلاف من الطلاب السوريين في مرحلة التعليم الأساسي وعدم قدرة المدارس المفتتحة في مدينة الريحانية على استيعابهم جميعاً، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من المدرّسين وخريجي الجامعات من السوريين العاطلين عن العملِ في المدينة، حيث وجد قسم منهم فرصة عمل له في هذه المدرسة.
"لميا نحاس" مُؤسّسة ومديرة المدرسة قالت في حديث خاص لمراسل "أخبار الآن": "إنّ ازدياد عدد اللاجئين الفارين من حمم وصواريخ النظام السوري والعدوان الروسي أدى لازدياد أعداد الطلاب، وبسبب عدم القدرة على استيعابهم في المدارس السورية الموجودة في مدينة الريحانية، وشكوى الأهالي وتذمرهم مما آلت إليه أوضاع أطفالهم العاجزين عن القراءة والكتابة، والإحساس بالمسؤولية تجاه أبناء بلدي، كلُّ ذلكَ دفعني للتفكير بتأسيس مدرسة تحتوي هؤلاء الأطفال، وتعلمهم لغتهم وثقافتهم، وتنقذهم من جهلهم الذي يعيشونه، فبالعلم نبني أنفسنا ومجتمعنا وبلدنا الذي يحتاج عقولاً سليمة ناضجة لترتقي به".
كيف تم المشروع؟
بعد أن قررت "لميا" العمل على مشروع المدرسة، انطلقت تبحث عن مقومات ودعائم لمشروعها الذي لا يمكن أن يُقام إلا إذا وجد من يدعمه ويمد له يد العون، وهو ما حصل فعلاً، إذا قامت وبنفقتها الخاصة باستئجار بناء مؤلف من ثلاثة طوابق، لتقام فيه المدرسة بعد أخذ التصريح والموافقة من الحكومة التركية، وتم بعدها تجهيز البناء بالمقاعد الدراسية المقدمة من "هيئة الإغاثة الإنسانية التركية" وتأمين القرطاسية عن طريقة الهيئة نفسها، وأشرفت لجنة من الخبراء على انتقاء كادر تدريسيّ للمدرسة بعد الإعلان عن فتح باب التسجيل للمدرسين الراغبين في العمل، وتم إعلان بدء الدوام الرسمي للطلاب في اليوم الأوّل من شهر ديسمبر الحالي.
وحول انطلاق المشروع قالت "لميا": " تم التواصل مع المالك التركي، وهو من الإخوة المحسنين للسوريين، والمتفهم لأوضاعهم، اتفقتُ معه على استئجار المبنى الذي يملكه كونه يصلح كمدرسة، إذ يحتوي على ثلاثة طوابق بمساحة 750م2 فيه اثنتا عشرة غُرفةً، وبعدها أشرفت لجنة مختصة على اختيار الكادر التدريسيّ، وتم التواصل مع المسؤولين الأتراك والتنسيق معهم للحصول على الترخيص والموافقة، والحمد لله لم أجد أيَ عائق لهذا العمل، وتم افتتاحُ المدرسة بتضافر جهود كلّ الكادر التدريسي والإداري. وسنعمل قدر الإمكان لإنجاح هذه المدرسة، وإعادة تأهيل الطلاب الذين حُرموا من التدريس مدة تزيد عن عامين أو أكثر".
وهكذا تم تأسيس المدرسة وتجهيزها لتصبح قادرة على استيعاب 215 طالباً سورياً من أبناء الحي الذي أقيمت فيه المدرسة، ولتؤمّنَ فرصة عمل لسبعة عشر مدرساً، ستقدم لهم وزارة التربية التركية رواتب شهرية.
ما المعوقات التي تواجهها المدرسة؟
إن افتتاح مؤسسة تعليمية والإنفاق عليها ليس أمراً سهلاً، ويتطلب جهداً كبيراً، ولا بدّ من وجود معوقات وصعوبات تواجه القائمين عليها، هذا ما أكدته "لمياء" عندما تحدثت عن الصعوبات التي تواجه المدرسة قائلةً: "إن الصعوبات التي تواجهها مدرستنا عديدة، إذ لم نجد مؤسسة أو شخصاً يتكفل بكافة التكاليف، وهو ما دفعنا للاعتماد على عدد من المصادر لتأمين نفقات المدرسة واحتياجاتها، ورغم كل ما قمنا به فإننا بحاجة إلى رواتب شهرية لعمال النظافة داخل المدرسة؛ حيث أننا لم نستطع تأمين راتب شهري لهم. فالحكومة التركية تكفلت بالمدرسين والإداريين فقط، كما أننا ندفع أجرة البناء بشكل شهري ولم نستأجره لسنة أو أكثر، كما هو المعتاد؛ بسبب ضعف إمكانياتنا المادية، بالإضافة إلى نقص في الكتب الدراسية؛ فلم نستطع تأمين الكتب لجميع الطلاب في المدرسة".
وحول الصعوبات أضاف "أنور مدنية" أحد المدرسين الذين تم تعينهم في المدرسة: "إن اختلاف الأعمار بين الطلاب داخل الصف الواحد أحد المشاكل التي نعاني منها، فاختلاف مدة انقطاع الطلاب عن المدرسة ولّد هذا التفاوت في الأعمار، وشكل عبئاً على المدرّس والإدارة".
استطاعت "لميا" أن تثبت أهمية المشاريع والأفكار الفردية، وأكّدت على إمكانيات وقدرات وأهمية المرأة السورية في المجتمع، فبهذه الإمكانيات البسيطة أسست مؤسسة تعليمية، وأقبل الطلاب عليها لينهلوا منها العلم والمعرفة، وليكونوا بناة مستقبل ينتظرهم وينتظر إبداعهم.