أخبار الآن | دمشق – سوريا (نور حمزة)

ربما لم يخطأ الشاعر "محمود درويش" حين ذكر مرة أن جرح ومأساة شعوبنا تصبح معرضا للصور في كثير من الأحيان. هذا ما نراه اليوم في سوريا بعد الأنباء الواردة من موسكو عن نية تسيير رحلات سياحية مطلع العام 2016. والمذهل في الموضوع هو أن تلك الرحلات السياحية ستكون إلى جبهات القتال، أي الصفوف الأمامية في الحرب بين النظام ورسويا الداعمة بين الثوار.

قرار مهين ومذّل

أوردت قناة "روسيا اليوم" نقلا عن "أناتولي أرونوف" مدير إحدى الشركات الاستشارية لتسجيل براءات الاختراع في موسكو، أنه تم يوم الاثنين 14 ديسمبر/ كانون الأول تقديم طلبا قدم لشركته لتوثيق علامة "أسد تور" في الدائرة الفدرالية للملكية الفكرية.

وقال أرونوف "إن العلامة المسجلة ستكون تحت فئة تصنيف "نيس"1 الدولي للسلع والخدمات رقم 39 "السفر والنقل، التعبئة، التغليف، تخزين البضائع".

قدمت الطلب شركة "ميغا بوليس" التي تأمل في تنظيم رحلات سياحية من موسكو إلى سوريا، مع إمكانية الذهاب في رحلات إلى خط الجبهة، "وستكون هذه الرحلات حسب الطلب وتبلغ مدتها من 4 إلى 5 أيام بعدد أفراد مجموعة يبلغ من 3 إلى 5 أشخاص". مؤكدا أن الشركة قامت بمراسلة سفارة سوريا في موسكو بهذا الخصوص بالإضافة إلى أنها قامت بمراسلة الوزارات المعنية.

والشركات السياحية في دمشق ترحب بالقرار!

يكاد القطاع السياحي في سوريا اليوم يلفظ أنفاسه الأخيرة، كيف لا والبلاد على وتيرة متصاعدة من الحرب والعنف اليومي ناهيك عن تدخل قوى العالم أجمع بما يجري في سوريا. وإن كانت القطاعات الأخرى قد تضررت بما فيه الكفاية فإن السياحة أعلنت موتها بشكل رسمي، وما كل ادّعاءات النظام عن وجود سياحة دينية "شيعية" إيرانية إلا تبرير لتوافد العدد الهائل من الإيرانيين؛ مقاتلين ودعاة تشييع.

ومع انتشار خبر "السياحة الدموية" الروسية منذ أيام مضت، بات على المواطن السوري ان يعيد النظر في موقعه من العالم وليس من حسابات النظام. فقد بات الدم السوري معرضا وفرجة للسياح، في واحد من تجاوزات الإنسانية قلما شهدنا مثيلا لها.

الغريب في الموضوع أن بعض الشركات والمكاتب السياحية في دمشق قد أبدت تشجيعها لهذه الخطوة، مبررين ذلك "أي أصحاب الشركات" بعودة الروح إلى قطاعهم الذي تأذى بسبب الحرب.

في منطقة "المرجة" وسط دمشق يتواجد العديد من الشركات والمكاتب السياحية، التي اتخذت مهنة تصريف العملات وما تيسر لها في ظل غياب تام لمواسم السياحية.

مراسلة الآن دخلت مكتبين للسياحة هناك بحجة البحث عن عمل وادّعاء معرفة متوسطة باللغة الروسية وجيدة بالإنكليزية: "عندما تصبح الرحلات منظمة نحتاجك، اتركي رقم هاتفك للضرورة".

هل ترحبون بالفكرة، سألت؟. يجيبني شاب هناك: "ولم لا، ألسنا من الشعب السوري الذي تضرر بفعل الحرب. ماذا استفدنا غير خسارة أعمالنا وانقطاع رزقنا. والسياح "الإيرانيون" هناك مكاتب قديمة ومعروفة محددة تتعاقد معهم، ستكون فرصة لنا".

ولا مجال هنا للسؤال عن الجانب الإنساني، في حال وجوده لديهم. لكن أليس الأمر خطيرا؟ "الخطر مسؤولة عنه الدولة وروسيا، نحن مكتب سياحي فقط نؤمن الحجوزات والفنادق".

لم يختلف الأمر في مكتب آخر في ذات المنطقة، فدائما الربح التجاري يتفوق على الموقف الأخلاقي لكثير من أصحاب المهن وبالذات السياحة إذ نعلم جميعا تلك العلاقات المترابطة بينها وبين الفروع الأمنية المختلفة.

موت الآخرين .. مغامرة للمترفين

وبالعودة إلى كلام "أرونوف": "الآن يتم التفاوض مع الفنادق وشركات النقل السورية، وعلى الرغم من الأزمة الراهنة في قطاع السياحة يبقى هناك أناس على استعداد للجمع بين الأهداف المعرفية وإمكانية مشاهدة الكوارث الطبيعية، أو زيارة أماكن قريبة من العمليات العسكرية ومشاهدتها بأم العين".

يعلق الدكتور "س" المختص في العلوم الإنسانية على ذلك بالقول: "المفارقة في الموضوع ليست قصة السياحة في هذه الظروف، فلم يعد الموضوع يثير السخرية والضحك. إنهم ينطرون لنا كشعوب أو قبائل تتصارع وهم مدفوعون برغبة "معرفية" أي أننا موضوع بحث غريب بالنسبة إليهم. هذا عدا عن رؤية "الكوارث على طبيعتها" وفي هذا الأمر إدانة للشعب الروسي بالكامل".

وبانتظار قدوم الروس كسائحين إلى سوريا المقطعة الأوصال، لا يزال هناك من يصرخ مرددا ما قاله "جيفارا" ذات مرة: "هذه الإنسانية قالت كفى".

1- تصنيف نيس، الذي وضع بموجب اتفاق نيس 1957، هو تصنيف دولي للسلع والخدمات يُطبّق لأغراض تسجيل العلامات. ويتم تحديد نظام التصنيف من قبل منظمة العالمية للملكية الفكرية.