أخبار الآن | درعا – سوريا (أسامة زين الدين)
لم يوفّر النّظام السوري خلال أعوام الثّورة أحدا من بطشه ولا جبروت قوى أمنه، وعُدّت سياسته الممنهجة بقتل المدنيين تحت التّعذيب في سراديب السجون، وأقبية فروع الأمن، أحد أشدّ تلك صور الجرائم قسوة ورعبا. وتولّت المنّظمات الحقوقيّة توثيق تلك الحالات المرعبة، وقامت بإصدار تقارير دورية عن تلك الانتهاكات بحق المدنيّين، وأكّدت أنّ التعذيب يُمارس في أبشع صوره في سوريا بطريقة يوميّة مستمرّة منذ انطلاقة الثورة، وحتى يومنا الحالي بأساليب ساديّة، ولساعات طويلة قد تؤدّي إلى الموت.
مع تنوّع القوى المسلّحة على الأرض السورّية توسّعت تلك الانتهاكات والتعذيب ضد المدنيين، إلا أن النّظام السّوري بقي متصدّرا قائمة القتل تحت التّعذيب بلا أيّ منافس يذكر، وقضى على يديه 99 بالمئة من الضّحايا، والذي زاد عددهم عن 11 ألفا خلال أعوام الثورة.
ضحايا الرعب والتعذيب
أطباء، أستاذة، طلبة جامعيون، كهول، شباب وأطفال، كلّ هؤلاء كانوا ممن أمضوا شهورهم أو أعوامهم الأخيرة يتمنّون الموت كل لحظة ولا يجدونه، إلى أن لفظوا أنفاسهم الأخيرة قهرا تحت السّياط، أو فتكا بأمراض غزتهم في أقبية لا تعرف الشّمس ولا يدخلها الهواء، أو رعبا من جلّاد لا يرى في أجسادهم إلا مادّة لتسليته.
ثلاثة أو أربعة ضحايا لهذا الرّعب لكل يوم وسطيّا في عموم سوريا، حيث قضى في شهر تشرين الثاني 67 شخصا. كان نصيب النّظام منهم 62 بينما كانت حصة التّنظيمات المتشدّدة والقوى الكردية 5 حالات فقط. وكانت محافظة درعا مطلقة شرارة الثّورة السورية متصدّرة لقائمة الضّحايا بـ 17 ضحية، تلتها محافظة حماة بـ 13 وإدلب بـ 10 ضحايا حسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الأخير بضحايا التّعذيب.
ولأهالي الضّحايا موتهم أيضا!
رحلة لا تنتهي من العذاب والقهر تبدأ باعتقال أي فرد من أي عائلة سورية، حيث تبدأ محاولات الأهل بمعرفة مكان تواجد أو اختطاف ولدهم، ومعرفة أي جهة من الجهات المتعدّدة وفروع الأمن. تليها مرحلة دفع الرّشاوي واستجداء مسؤولي الفروع الأمنيّة، وبيع ما يملكون على قلّة ذات يدهم لدفع مبالغ باهظة للمحامين والسّماسرة للسّماح بزيارته في أحسن الأحوال، أو معرفة إن كان حيّا أو ميتا في أسوئها.
"أم محمّد" سيّدة من درعا اختطف ابنها الجامعي، قضت ستّة أشهر من العذاب في محاولة معرفة مصير ابنها، وتقول لـ"أخبار الآن" أنها عرفت باستشهاد ابنها بعد دفع رشوة باهظة لعنصر في أحد فروع الأمن، وأنّها لم تجرؤ على إرسال أحد لأخذ جثّة ابنها بعد معرفتهم بمقتله خوفا من اعتقاله، ولم تر ابنها ولم تستطع تأمين مثوى كريم له بعد استشهاده"، وتضيف باكية: "لقد قتلنا الأسد مرتين!!"
معاناة الضّحايا بين تجاهل العالم واستخفاف النظام
تواصل الجهات الحقوقيّة نداءها المستمرّ للعالم ودوله ومنظّماته وهيئاته بالتّحرك لإيقاف هذه الجرائم المرعبة بحقّ المدنيين، وتأمين حماية لهم، حيث يؤكد "فضل عبد الغني" رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها على ضرورة تطبيق مبدأ الحماية بعد فشل الدولة في حماية شعبها كما هو منوط بها، بل وتحوّلها إلى ارتكاب الجرائم وبطشها بمن يفترض بها حمايته.
رغم أن النظام هو المتصدّر الأول لعمليات القتل بلا منازع ومعرفة ذلك من قبل المنظّمات الحقوقية والمراكز البحثية الغربية، إلا أن التّركيز والتّغطية التي تحظى بها عمليات القتل التي تقوم بها داعش تطغى إعلاميّا على جرائم النّظام في ظل تهديدها الأمنيّ وعمليّاتها في عدد من الدول: "عزز من ذلك انكفاء الدور السّياسي للمعارضة، وعدم قدرتها على تقديم القضية السورية للعالم" وفق تصريح وائل العجي المتحدّث باسم الشّبكة السّورية لحقوق الإنسان لـ"أخبار الآن".