أخبار الآن | القاهرة – مصر- (حنان الشيخ)

يعتبر توفر التعليم المناسب للأولاد من أهم القضايا التي تقض مضجع الأسرة السورية التي أجبرتها ظروف الحرب الدائرة في البلاد منذ خمس سنوات إلى ترك كل شيء خلفها واللجوء إلى دول الجوار.

وتختلف المشكلات التي تعترض واقع التعليم بالنسبة للأطفال والشباب السوريين حسب بلاد اللجوء. وقد تكون قضية اللغة هي الحاجز الأول الذي يقف عائقاً أولياً في الدول غير العربية، ولكن ماذا عن واقع تعليم الطلبة السوريين في دولة عربية كمصر؟. وهل كان خيار السوريين باللجوء إليها كدولة عربية يربطهم بها البعد القومي والثقافي عاملاً كفيلاً في التخفيف من حدة الصعوبات التي يمكن أن يواجها الطالب السوري الذي حُرِمَ من التعليم في بلاده، وآثر البلاد العربية على الأوربية؟.

اختلاف في المناهج التعليمية

يقول مدرّس التاريخ السوري "ابراهيم" في إحدى المدارس السورية الخاصة في مصر: "صحيح أن مصر دولة عربية يجمع السوريين بها وحدة اللغة، وجزء من تاريخٍ مشتركٍ، وثقافة إسلامية واحدة، إلا أن ذلك لم يجعل من تعلُّم الطلبة السوريين أمراً بسيطاً كما يظن البعض. إذ يفاجأ الطالب السوري بأنه مضطر لأخذ منهاجٍ تعليمي محتلف. إذ يجد الطلبة صعوبةً حقيقةً تكمن في اضطرارهم لدراسة موادٍ في التاريخ المصري، إضافة إلى دروس الجغرافيا الخاصة بمصر وأقاليمها. ورغم سماح قوانين الدولة هنا بترخيص التعليم بمناهج دول أخرى، كالمنهاج السعودي مثلاً، والمناهج الأجنبية (الإيطالية والبريطانية والألمانية) في مدارس اللغات وتبعيتها لوزارة التربية والتعليم إلا أن ذلك لا ينطبق على تعليم المنهاج السوري. ومع ذلك فقد استطاع الكثير من الطلاب الحصول على درجاتٍ عاليةٍ على مستوى القطر المصري. احتلوا فيها المراتب الأولى وبأعدادٍ لافتة".

المدارس الحكومية والمدارس الخاصة

وتقول "شفاء" مدرّسة اللغة العربية التي جاءت مع زوجها المهندس الزراعي وأولادها الخمسة من حماة قبل أربع سنوات: "واجهتنا مشكرت متعددة منها أن الصف يعاني من اكتظاظٍ مهول من حيث أعداد الطلبة حتى أنه يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من ستين طالبا في صف طاقته الاستيعابية لا تتجاوز الثلاثين، مما يعيق قدرة الطالب على الاستيعاب والفهم والمتابعة، فضلاً عن مشكلة اختلاف اللهجة فهي ليست قضيةً سهلة كما يظن البعض. وبهذا فمن أراد أن يوفر لأولاده تعليماً لائقاً، أو لنقل في الحدود الوسطى فإن التعليم الخاص والمدارس الخاصة هي الحل الوحيد بالنسبة له".

وتشير شفاء إلى صعوبة الأمر على أسرتها: "نحن أسرة كنَّا ذوي دخلٍ متوسط في سوريا، ونعتمد بالإضافة إلى المرتبات على تجارةٍ بسيطة لبيع الملابس في القرية، أما هنا فنحن لسنا ننتمي حتى إلى الطبقة المتوسطة، ولكننا لسنا فقراء، ولا نمتلك إلا خيار المدرسة الحكومية، وأحاول أنا وزوجي مساعدة الأولاد في المواد الصعبة فأنا أتكفل بمذاكرة المواد الاجتماعية واللغة العربية، وزوجي يتولى المواد العلمية، وهم يتجاوبون الحمد لله، ولكن بمشقة.. أحسن من لا شيء".

مستقبل غير واضح

أما الأستاذ الجامعي "محمد" فيقول: "جئت بأسرتي إلى هنا قبل اندلاع الحرب لقصد الدراسة في جامعة الأزهر. وهم الآن أصبحوا في عمر الدخول إلى المدرسة. لا أستطيع التفريط بمستقبل أولادي وأضعهم في مدارس حكومية؛ ما يجبرني أن أبحث عن خيارات المدارس الخاصة التي تصل رسومها أحياناً إلى تكاليف خيالية. وفي الحقيقة لست متأكداً أنني سأبقى هنا فترةً أطول لهذا السبب، ففرص العمل بشهاداتنا العليا شبه معدومة وعبء الحياة المعيشية ثقيل، إضافة إلى صعوبة إمكانية تأمين ما نحلم به لأولادنا من تعليمٍ وحياةٍ أفضل".

تقول "أم عصام": "ذهبنا لنسجل الأولاد في المدرسة الحكومية القريبة لبيتنا فإذا بهم يرفضون بحجة اكتمال عدد الطلبة في الصفوف، واضطررنا لإرسال الأولاد إلى مدرسة في منطقة أخرى بعيدة، وهذا يحملنا عبئاً نفسياً ومادياً معاً، ويشعرنا بعجزنا تجاه أولادنا بسبب عدم قدرتنا على إلحاقهم بمدارس خاصة توفر لهم التعليم الأفضل، فضلاً عن عبء التنقلات مما يضطرنا إلى استئجار مواصلاتٍ خاصة، ولكن أناساً غيرنا في الحقيقة امتنعوا لهذا السبب بالذات عن إرسال أولادهم إلى المدرسة ويقولون: "ما باليد حيلة، نجيب ناكل ونشرب وندفع أجرة بيت ولا نعلم".

يبدو أن واقع حياة السوريين يبدو أكثر تعقيداً من مجرد قضية تعليم الأولاد، أو تأمين مستوى حياة أفضل لهم. إن المسألة تتجاوز هذه المشكلة إلى قضية اندماج السوريين أو رغبتهم الحقيقية في الاندماج ومتابعة الحياة بصورةٍ أقرب إلى الواقعية المبنية على التكيف أو قبول الواقع. وليس ذلك أمراً يتحمله السوريون لوحدهم، فالقوانين بحاجة إلى استيعاب الظروف الاستثنائية للمرحلة، فضلاً عن غياب مظاهر ونشاطات  التفاعل الاجتماعي السوري التعاوني الذي من شأنه أن يسهم في إيجاد حلول تكافلية لتلك المشاكل ودعم العوائل التي تقطعت بها السبل بصورةٍ منظمةٍ.