أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)
بكثير من الحزن والأسى تودع "أم فريد" ابنها فريد الذي قرر السفر لألمانيا بعد أن يأس من إمكانية إكمال دراسته في بلده سوريا، التي غرقت في بحر من العنف والدمار.
"فريد" واحد من مئات الشبان السوريين الذين اضطروا للهجرة إلى أوربا بحثا عن الحياة الآمنة والمستقبل الأفضل بعيدا عن الحرب والعنف.
هجرة أهالي ريف إدلب
يقول فريد 25 عاما: "لطالما حلمت بأن أصبح طبيبا ناجحا، ولست مستعدا أبدا للتخلي عن حلمي بعد أن أصبحت في السنة الرابعة، قسم الطب البشري. ما يحدث داخل الجامعة من مداهمات واعتقالات للطلاب الجامعيين دفعني للمغادرة، قررت إكمال دراستي في ألمانيا، كما يفعل الكثير من الطلاب السوريين".
يكره فريد مغادرة بلاده، ولكن الظروف هي من دفعته لذلك، واعدا بالعودة إلى سوريا يوما ما ليسهم برفع بعض الآلام والمعاناة عن كاهل أبناء بلده.
من جهتها أم فريد تأسف لسفر ولدها الوحيد، ولكنها في الوقت نفسه تعرف أنه يفعل ذلك مرغما، فهو يبحث عن مستقبله، وهي لن تكون "أنانية" لتقف في وجهه: "رغم حزني لأنني لن أراه لسنوات طويلة، إلا أنني أشعر بالرضا كونه بعيدا عما يحدث في سوريا من قصف يومي وحياة صعبة".
يعدّ وضع فريد "طالب وعازب" أفضل من وضع غيره ممن تركوا ورائهم زوجاتهم وعائلاتهم وهاجروا بحثا عن حياة أفضل. تقول "هبة" 25 عاما، هاجر زوجها إلى السويد وهي تنتظر لمّ الشمل، لكنه قد يستغرق الكثير من الوقت، وقد بات وضعها حرجا فهي تقيم عند أهلها الفقراء، وما يصعب عليها الموقف أكثر أنها تنتظر مولودا هو بحاجة للكثير من النفقات.
من جهة أخرى يجد بعض الأزواج صعوبة في تقبل أن تعيش نساؤهم وأطفالهم بعيدين عنهم، وهذا ما يدفع الزوج لبيع كل ما يملك في سبيل تأمين نفقات السفر إلى أوربا مع عائلته. هذا ما فعله "أبو عبدو" 39 عاما، الذي باع منزله وسيارته كي يستطيع السفر إلى ألمانيا بصحبة عائلته: "السفر عبر البحر وبالزوارق المطاطية يعتبر مجازفة، ولكن ذلك أفضل من أن يدع المرء عائلته وراء ظهره. لا يمكن للمرأة تدبير أمورها في حال غياب زوجها، لن أضع زوجتي في هذا الموقف".
وبالمقابل عبرت بعض النساء أنهن لا يرغبن في أن يعيش أزواجهن وحيدين في الدول الأوربية التي يعتبرنها "منفتحة جدا".
"هلا" رافقت زوجها في رحلة اللجوء عبر قوارب الموت مع أطفالها: "لا أعتقد أن الرجل العربي أهل لثقة زوجته حين يعيش خارج مجتمعه، وخوفا من احتمال قيام علاقة بينه وبين إحدى الألمانيات كان لابد أن آتي معه".
ورأي الأطفال في الهجرة
ولكن ما هو رأي الأطفال بالهجرة وهل هم يهاجرون برغبة أم هم مجبرين؟. "تيم" 10 سنوات، أحد أطفال "هلا" يخبرنا أنه: "رغم أنني أشعر بالأمان بصحبة والدي، ولكنني شعرت بالخوف ونحن في البحر". ويؤكد أن رؤية الخوف في وجه والديه هو ما جعل الخوف ينتابه آنذاك، وفي الوقت نفسه فإن تيم يثق بوالديه وبأنهما يريدان حياة أفضل له ولإخوته.
أما "رائد" من كفرنبل 11 عاما، فهو من الأطفال الذين لا يريدون الهرب من القصف ليصبحون طعاما للأسماك، على حد تعبيره. أما "رهف" 8 سنوات، فتقول" "إلى الآن وأنا حزينة على الطفل ايلان، أنا لا أحب الهجرة ولا أحب البحر".
لمن يتركون البلد؟!
هذا ويرى البعض أن الهجرة في الآونة الأخيرة فاقت الحد، وكادت سوريا تخلو من شبابها وسكانها. هذا ما يعبر عنه "أبو محمد" 45 عاما، أحد وجهاء مدينة كفرنبل ويقول موضحا: "هناك خطة ممنهجة لتهجير السوريين وخاصة بعد التدخل الروسي لصالح الأسد، وقصفه للمدنيين بحجة قتال الإرهاب"، وبرأيه فإن ما يحدث في سوريا اليوم يشبه ما حدث في لبنان خلال الحرب الأهلية عندما هجرها سكانها ولم يبق سوى طرفي النزاع الذين جعلوا منها جبهة مواجهة على كل الأصعدة.
أما الشيخ "عبدالله" 50 عاما، مدير إحدى الجمعيات الخيرية فيقول: "رغم أن الوضع السوري في أوج تأزمه، ولكنني أرفض هجرة الشباب أو بالأحرى تهربهم من واجباتهم تجاه بلدهم"، ويتساءل: إلى من يتركون بلادهم ويرحلون؟ وإن لم يقاتلوا في سبيل تحرير وطنهم من نظام مستبد غاشم، من سيقاتل؟!.
"لا يمكن لبلاد المغترب أن تكون وطننا في يوم من الأيام، كما لا يمكن للأم أن يحل مكانها أحد"، بهذه الكلمات ينهي الشيخ عبدالله حديثه.