أخبار الآن | القاهرة – مصر- (حنان الشيخ)
كانت مصر إحدى أهم الدول التي رحبت بقدوم اللاجئين السوريين بعد اشتداد وتيرة العنف من قبل النظام على الشعب السوري، إلا أن هذا الأمر لم يستمر طويلاً.
فبعد سلسلة الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة، تحولت إلى مجرد محطة سفرٍ لدى معظم السوريين. وبات على السوريين أن يفكروا بالبحث لأنفسهم عن خياراتٍ جديدة.
وبعد أن كان معظم السوريون يقصدون مصر بغرض الإقامة المؤقتة، أو افتتاح أنشطة اقتصادية متفاوتة الحجم حسب رؤوس الأموال التي جلبوها معهم، والحِرف التي كانوا يعملون بها ريثما تنتهي الحرب، بدأت تظهر موجات هجرةٍ من نوعٍ آخر. فقد آثر الكثير من السوريين قوارب الموت المتجهة نحو أوربا، التي التهمت الكثير من أموال وأرواح السوريين بحثاً عن فرصٍ أفضل للحياة.
الهجرة إلى أوربا
يقول "أغيد" الذي فرَّ بأسرته بعد أن كان معتقلاً على خلفية مشاركته في التظاهر في مدينته إدلب: "اضطررت للفرار من بلادي مع أسرتي الصغيرة بعد اعتقالي لأكثر من شهرين لقيت فيها ما لقيت من الإهانة والعذاب، وقد خرجت بعد قرارٍ بعفوٍ عام شملنا من جملة معتقلي التظاهر، وقد كانت مصر الأمل بالنسبة لنا. فما أن شرعت بافتتاح مشروعٍ اقتصادي يوفر لي ولأسرتي حياة كريمةً في هذه البلاد، وأنفقت (تحويشة العمر من ثمن بيتي ومصاغ زوجتي) في افتتاح محمصة للبن حتى بدأت المضايقات في السوق المحيط بي، ودعواتٍ من الجوار لإقفال المحل ومقاطعة التعامل معنا بحجةِ أننا نتعدى على أرزاق غيرنا، الأمر الذي أدى إلى خسارة معظم رأس المال الذي وضعته في المشروع في فترةٍ وجيزة".
ويضيف أغيد: "هذا الأمر دفعني لخيار ركوب البحر الهائج؛ فإما أن يبتلعني وأسرتي، أو أن يوصلني إلى بلدٍ تحترم فيه إنساناً كان ذنبه في بلده أنه اختار العيش بكرامةٍ ورفض الذل والمهانة له ولأبناء بلده".
ويقول "أيمن" وهو الصانع الذي كان يعمل في محمصة أغيد: "أجيد حرفة تحميص القهوة وصناعتها منذ كنت صغيراً في محل والدي في درعا. وما أن اندلعت الثورة حتى اضطررت للسفر أنا وأسرتي إلى الأردن، وتركت زوجتي الحامل وابني هناك عند أقرباء لنا، وقدمت إلى مصر للعمل وتأمين المبلغ المطلوب لاستقدام أسرتي التي عجزت عن دفع تذاكر السفر لاصطحابهم معي إلى هنا".
فوجئ أيمن بعد فترةٍ وجيزةٍ من قدومه بالقرار الذي منع قدوم السوريين إلى هنا فانقطع أمله بإحضارهم والبقاء سوياً ريثما تهدأ الحرب في البلاد "والآن ليس لدي خيار سوى أن العودة إلى الأردن للعمل هناك ورعاية زوجتي الحامل وطفلي، فلم تعد لدي فرصة أفضل من ذلك وأنا لا أتقن إلا حرفةً بسيطةً، ولا مال لدي أكفي نفسي به هنا وأسرتي هناك".
والعودة إلى المناطق المحررة
وتقول أم أسامة: "بعد أن قدمت أنا وزوجي وأولادي إلى هنا. افتتحنا مشروع عملٍ صغيرٍ لصناعة المأكولات والحلويات السورية والتي لاقت في البداية رواجاً كبيراً بين مختلف الشرائح، وباتت الطلبيات تنهال علينا كزخ المطر؛ إلا أن شيئاً ما قد تغيّر، فبعد أن كان الزبائن يعتبرون أسعارنا رخيصة بموجب ما نقدمه من سلعٍ مميزة ولذيذة باتوا يتحججون بغلاء الأسعار ويشككون بالمواد التي نستعملها، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد تمت مهاجمة زوجي في مقر العمل الذي كنا قد أخذنا ترخيصاً نظامياً بافتتاحه، وقد تم تحرير ضبط شرطة بخصوص هذه الواقعة. الأمر الذي دفع بزوجي إلى ركوب البحر قاصداً ألمانيا بعد أن صفّى أساس المشروع، ونحن بانتظار إجراءات لم الشمل التي بدأت بالفعل".
وتقول "أم رضا": "قدمنا أنا وزوجي وأطفالي الخمسة من إدلب منذ سنتين على أمل العودة قريباً. فقد كانت مدينتنا أولى المناطق الساخنة في البلاد، وبدأ أطفالي يعانون من مشاكل نفسية جراء القصف والخوف من البراميل المتفجرة، ما دفعنا إلى الخروج رأفةً بحال الأولاد وخوفاً عليهم. ونحن من بيئة متوسطة مادياً، وزوجي يعمل في صنعة الحدادة، وهو يحاول العمل حسبما تتسنى له الظروف (فاعل باليومية)، والأولاد يكبرون وقد أصبحوا في عمر يستوجب دخول المدرسة، ولم نعد نقوى على دفع أجرة المنزل ومصاريف الحياة التي تزداد غلاءً مع الأيام، فضلاً عن صعوبة إلحاق الأولاد بالمدرسة بسبب المصاريف، الأمر الذي يشعرنا بالعجز، وقد عزمنا على العودة إلى إدلب على بعد أن أصبحت خارج سيطرة النظام على أمل العودة إلى بيتنا، وإلحاق الأولاد بمدارس المنطقة المحررة برغم ما نسمع ونرى من هجمات الطيران الروسي التي لا تترك سماءنا وشأنها".
كثيرةٌ هي قصص السوريين الذين تقطعت بهم السبل، الأمر الذي دفع بكثير من الأسر اتخاذ قرار الهجرة غير الشرعية والمحفوفة بالمخاطر وتلاعب المهربين بأرواحهم ومصائرهم، أو أنهم آثروا العودة إلى البلاد من جديد بعد أن طالت فترة الحرب التي لم يتوقع أحد أن تستمر طيلة السنوات الخمسة الفائتة.