أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)
مما لا شك فيه أن سورية بكل شبر فيها قد تأزمت خلال خمس سنوات حرب دامية، ولكن من المؤكد أن هنالك مناطق أقل ضرراً من مناطق أخرى ما زالت تباد إلى يوم.
دمشق ما زالت تتنفس!!
تحاول العاصمة دمشق إلى الآن، جاهدة وبشق الأنفس البقاء على قيد الحياة رغم أن الريف المتاخم والمتسع قد تصدى وما زال للعديد من محاولات الإبادة، من اجتياح واعتقال وتفجير وقصف انتهاء بالحصار والتجويع. كل ذلك ودمشق تغيب عن مرارة يوميات جيرانها.
ومن الملفت للنظر اليوم أن هناك أموراً تلقى رواجاً على سخافتها أمام كل الموت المجاني، حيث تغيب الأحداث الكبرى كالقصف الروسي للمحافظات السورية والمجازر التي ما زالت ترتكبها قوات الأسد، أمام عرض مسرحي وآخر موسيقى والكثير من المعارض الفنية والندوات الثقافية والأدبية. حتى أنه لمن المحير والمثير للاستغراب الإقبال على تلك النشاطات التي لا يقول عنها رعيتها إلا بأنها استمرار للصمود وتشديد من أصحاب هذه النشاطات على مبدأ أن الحياة لا تقف عند مكان، فهل من المعقول أن حياتهم تلك أهم من كل المجازر الحاصلة على مقربةً منهم؟. وأهم من حياة كل من استشهد واعتقل وهُجّر؟!.
وما يزيد الطين بلة هو تلك التبريرات المداهنة للنظام، فرغم كل شي فإن "الحياة تستمر بالموجودين"، على حد تعبير أحد الفنانين المدّعين من أزلام النظام. هذا في وقت تخلو مواقفهم من علامات الاستنكار لحمام الدم المفتوح في سوريا، وتجدهم مقبلين على الحفلات والتجمعات بكل ما أوتوا من فرح ليؤكدوا للأسد أن دمشق أهم من حمص وحماة وحلب، وكل ما يحدث في الرقة ودير الزور ودرعا غير هام. المهم أن تبقى دمشق قادرة على صنع الحياة لأبنائها.
لا بد من المحاسبة
"محمد" 25 عاما خريج من كلية الفنون الجميلة مقيم إلى الآن في مخيم اليرموك يخبرنا بشوقه الكبير لإقامة معرض خاص به ولكن الواقع أقوى والألم أكبر، ويفضل أن يرسم وجوه الشهداء والمعتقلين.
"أمل" 30 عاما، خريجة من المعهد العالي للموسيقى تقول أنها لم تستطيع الهجرة لأن زوجها معتقل منذ ثلاث سنوات، الأمر الذي أثر أيضاً على كونها عازفة بيانو، توجه لومها وعتبها على أصدقائها الذين يقيمون حفلات وأمسيات وتصفهم بالمستنكرين المستضعفين، الذين لا يريدون أن يكونوا مع الحق لأنه صعب عليهم. وخصوصاً أساتذتها العاملين حتى الآن في دار الأوبرا "دار الأسد للثقافة" ويدّعون من خلال نشاطاتهم أن الحياة مستمرة متناسين أن هناك حياة أبرياء قد توقفت والأجدر بالموسيقى أن تتوقف في لحظات كهذه، فالاستمرار يعني الاشتراك في الجريمة.
ويخبرنا "فادي" 47 عاما، أستاذ مفصول من كلية التربية الموسيقية في حمص، بعد اعتقاله على يد الشبيحة إثر مشاركته في المظاهرات: "أغلب طلابيّ غادروا البلاد، وبعضهم مختف أو معتقل، أما من بقيّ فأنا عاتب عليهم لأنهم تناسوا كارثة وطنهم ودماء إخوتهم أرى كل فترة العديد منهم يقيمون الحفلات الفنية!!".
"فادي" 27 عاما، مفصول من جامعة دمشق كلية الآداب قسم الإعلام بعد اعتقاله على يد شبيحة اتحاد طلبة سورية بعد مشاركته في المظاهرات، يعبر عن غضبه وسخطه الكبير على الشباب المتناسي لكارثة وطنه ودماء إخوته ويؤكد أنهم سيحاسبون والأيام قادمة.
الجميع يعلم مدة خطورة الطوق الأمني الذي فرضه النظام على دمشق منذ الأيام الأولى للثورة، ورغم المظاهرات والنشاطات السلمية التي قام بها العديد من الشباب والناشطين إلاّ أنها بقيت مفصولة وبعيدة عما يحدث في الريف.
رغم ذلك، تظهر أبواق "المحايدين" الذين يطلقون أحكامهم حول استمرارية الحياة وهم يعرفون أن هذا ما هو إلا تبرير لعدم قدرتهم على اتخاذ موقف أخلاقي مما يحصل لأبناء شعبهم.