أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)
أُعلن أمس عن تشكيل "مجلس محلي مؤقت لمحافظة الرقة" في بلدة عين عيسى التابعة لمنطقة تل أبيض في شمال محافظة الرقة. ومن المعروف أن محافظة الرقة هي المحافظة السورية الوحيدة التي ليس لها مجلس محلي مُعترف به من جانب الحكومة السورية المؤقتة، نظراً للتجاذبات التي حدثت في وقت سابق بين قوى وأطراف سياسية وثورية محلية حول مسألة تشكيل المجلس.
إقصاء القوى السياسية والحراك الثوري والهيئة الناخبة
ويأتي تشكيل مجلس محلي للرقة، كما يراه البعض، ضرورة حيوية لتوحيد وتجميع جهود أبناء المحافظة في ظل حالة مستمرة من التشتت والتجاذب الداخلي حول عدد من القضايا السياسية والحقوقية طوال الفترة الماضية؛ كما يأتي بعد أكثر من عامين من سيطرة داعش عليها وتحولها إلى نقطة جذب إعلامي عالمي بعد تصويرها من قبل القوى المحاربة للإرهاب بوصفها "عاصمة ومعقل داعش الإرهابي في سوريا"، وخاصة بعد هجمات باريس التي تبناها داعش؛ وبعد أن أصبح أكثر من 60% من سكانها نازحين بينما أمسى من تبقى منهم تحت هيمنة داعش أسرى ومعتقلين ودروع بشرية.
لكن أصوات عديدة وحذرة أظهرت عدم رضى عن صيغة المجلس واعتبرته "فكة عتب" تريدها بعض الأطراف لأن هناك من طلب منها تشكيل مظلة سياسية مدنية لتمرير ما تشاء. لذلك لجأت إلى أفراد وخلقت تركيبة غير قابلة للحياة.
المسألة الأكثر وضوحاً في تشكيلة المجلس الجديد هي غياب الهيئة الناخبة وغياب شباب الحراك الثوري في المحافظة والقوى السياسية المعارضة. السيد "أحمد الحاج صالح" قال، رداً على أسئلة مراسل موقع "الآن" في الرقة: "لا تعليق لدي الآن. أنت أبن الرقة وتعرف الأسماء وتعرف الظروف والقوى الموجودة الآن. ادرسها لتفهم ما يجري".
أما العضو في الهيئة الناخبة "خلف الملا" فيقول: "تفاجئتُ بصدور أسماء أعضاء المجلس، فلم تتم استشارة الجميع في تشكيله". لكن الملا يعبر عن موقف مبدئي من مسألة التشكيل هذه لأن شباب الحراك "يرفضون كل الانتهاكات في ظل سيطرة شبه مطلقة لميليشيات PYD، وأن أي عمل مدني قبل وقف الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها هو مشاركة في هذه الانتهاكات وسقوط أخلاقي تجاه المدنيين". ويضيف "تشكيلة المجلس تحتوي أسماء معروفة بثوريتها وهذا كلام حق، ولكن لامبرر لهم للعمل تحت وصاية قوة تنتهك حقوق المدنيين. المجلس المحلي لخدمة المدنيين وليس لتجميل صورة من انتهك حقوقهم واظهاره بمظهر شريك المدنيين".
صيغة التوافق في تشكيل المجلس
في المقابل فإن السيد "يوسف دعيس"، عضو المكتب الإعلامي في المجلس الجديد، يقول مشدداً على ضرورة العمل والعمل فقط: "أولاً، هذه رغبة لدى الكل أن يكون هناك مجلس للمحافظة يقوم بتقديم الخدمات للمواطنين، إن كان في الداخل أو الخارج، بالتزامن مع وجود رغبة لدى "جبهة ثوار الرقة" بوجود مجلس مدني يدير شؤون المدنيين. وقد تم تشكيل المجلس بشكل توافقي، فالظروف لا تسمح بإجراء انتخابات، وجرى استمزاج آراء الحضور من أهالي الرقة حول الأسماء التي تم طرحها لشغل عضوية المجلس".
وعن غياب الهيئة الناخبة وشباب الحراك الثوري يقول السيد دعيس: "أنا مستغرب عدم وجود شباب. بالنسبة لي كنت أمنّي النفس أن يكون ثلثي المجلس من الشباب، فهم الأقدر على العمل، فقد كان مطروحاً عدد من الأسماء ويبدو أنهم آثروا الانسحاب، ولا أعرف الأسباب".
أما السيد "أمجد فخري"، عضو في المجلس ومسؤول مكتب التعليم فيه، فلم يشأ الدخول في تفاصيل آلية تشكيل المجلس قائلاً: "ليس من اختصاصي الخوض بالموضوع"؛ لكنه أحالنا إلى بيان شخصي نشره على صفحته في موقع فيسبوك يقول فيه: "شكراً للذين وضعوا ثقتهم بي لأكون واحداً في فريق عمل نتشارك ونتعاون من أجل بلدنا وأهلنا. لا أمثّل في هذه المهمّة إلا شخصي. كما أنني مستعد لتركها عندما يبدي أحد من كوادر الرقة رغبة في إشغال هذا الاختصاص".
وفي السياق ذاته كتب السيد "محمد صبحي" عضو المكتب الإعلامي في المجلس، بياناً مشابهاً جاء فيه "أشكر كل من وضع ثقته بي واقترحني في المكتب الإعلامي وأنا لاأمثل أحداً من الرقة في هذه المهمة وإنما نفسي فقط"، في ما يبدو إقراراً ضمنياً منهما بوجود خلل في آلية التشكيل.
بعث وأمن وداعش .. تاريخ مشبوه لبعض الأعضاء
السيد "ح. ع" يقول: "استثنِ بضعة أسماء محترمة وتعال نضع الوقائع أمامنا: مجلس تشكَّل تحت ظروف أقل ما يقال أنها تجعل الناس خاضعة لأي ابتزاز، وتحت بنادق PYD وما جبهة ثوار الرقة سوى شاهد زور من موقع التابع الخائب. انظر إلى التشكيلة: 3 أعضاء هم أمناء فرق سابقين في حزب البعث؛ و3 أعضاء أميين، حرفياً. أحد الأعضاء عمل مع أحرار الشام ثم مدير مكتب خدمات عند داعش ثم مسؤول مياه عند PYD وها هو عضو مجلس؛ وأحدهم كان داعشي ويتاجر بأرزاق الناشطين المصادرة من قبل داعش؛ وأحدهم كان كاتب تقارير للأمن العسكري في تل أبيض؛ وأحدهم كان موظفاً مرتشياً في أحد المصارف". ويتسائل أخيراً "ماذا يفعل نبيل الفواز وأمجد فخري ويوسف دعيس وسعد الفهد ضمن هالأوبة؟".
بينما يذهب السيد "ع. ل" إلى ضروة الابتعاد عن: "شخصنة الأمور والالتفات إلى اللوحة السياسية والعسكرية ككل". ويرى أن "إمكانية البناء على ما تم واردة إذا صفت النوايا. أنا أرى ضرورة قبول هذا المجلس بعجره وبجره، ثم التفاهم مع الآخرين ممن لم يدخلوا المجلس في مقابل إخراج الأسماء المشبوهة. يجب ألا نشتغل وفق عقلية كل شيء أو لا شيء". ويضيف "لا تنسى نحن الآن الطرف الأضعف، الثورة طمسها الإرهاب من النظام ومن الدواعش، ونحن ليس لنا ظهر عسكري ولا سياسي لا إقليمياً ولا دولياً؛ هذا الموجود".
"خلطة" مناسبة للمرحلة السيئة
ويسير في الاتجاه ذاته كلام السيد "خ. ص": "أعتقد أن صيغة هذا المجلس هي صيغة الثورة المضادة. لا توجد في أي منطقة أخرى في سورية هذه الخلطة من فصيل في الجيش الحر متحالف مع ميليشيا تابعة للنظام وتعمل لأجندتها الخاصة المضادة للمصلحة الوطنية ولأهداف الثورة، وكلاهما ارتضى محاربة داعش أولوية له دون النظر في الخطوة التالية، وكلاهما يختلف عن الآخر في الخطوة التالية. وبالتالي لا مفاجأة في أن يخرجوا بهكذا خلطة لمجلس محلي من مناضلين وجودهم ضرورة تزيينية، مع بعثيين يعاد تدوريهم، مع أبناء عشائر لضمان ولاء وتعاون العشائر المحلية في المنطقة، مع حفنة من الانتهازيين جماعة "بكل عرس له قرص"".
اللافت أيضاً في آلية وسير عمل تشكيل مجلس محلي مؤقت لمحافظة الرقة هو غياب بعض مَنْ تمتْ تسميتهم كأعضاء في مكاتب المجلس دون أن يكونوا حاضرين اجتماع التشكيل. الأمر الذي يوحي بوجود نوع من الفرض بـ"بالتخجيل"، حسب إشارة أحد المشاركين في الاستطلاع، أي دفع بعض الأشخاص لقبول تسميتهم نتيجة علاقات شخصية و"مونة" من قبل أصدقائهم أو إعداد وتوافق سبق اجتماع التشكيل، وجاء الاجتماع كعملية إخراجية لهذا الإعداد.
مهما تكن الحال، فإن الرقة تحتاج إلى مجلس محلي يلبي احتياجات أبناءها، خاصة في هذه الظروف التي تُنبيء أن كارثة بشرية ستحدث في هذه المحافظة قريباً. إلّا أن أسئلة كبيرة ومشروعة تبقى مفتوحة وتنتظر أجابات: هل قدر الرقة أن تخلق قوى الأمر الواقع العسكري تمثيلها المدني والسياسي؟. هل يُمكَّن هذا المجلس، بصرف النظر عن تركيبته البشرية، من أداء عمله بفعالية واستقلالية وحرية؟ هل ثمة دعم مالي ولوجستي يُمكنه من أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقه؟. وأخيراً، هل تعكس صيغته الحالية شكل الحل السياسي، على نطاق أوسع ومنظور أبعد، المراد للسوريين التوصل إليه؟.