أخبار الآن | الرقة – خاص – (عزام الحاج)

السيدة "غ. ف" أم لأربعة بنات، أكملت أكبرهن سنواتها الست في حين لم تكمل أصغرهن عامها الأول بعد، أما هي فقد أتمت عامها الخامس والعشرين. حملت الصغيرة منهن بين يديها وخرجت من بيتها متلهفة للعودة إلى صغيراتها الثلاث، ظناً منها أن الذهاب إلى مقهى النت لشراء بطاقة مسبقة الدفع للتواصل مع زوجها وأفراد عائلتها المشتتين في أصقاع الأرض لن يستغرق إلّا دقائق معدودة؛ وفي عجلتها لم تضع قفازات تخفي بها يديها. الكفوف السوداء التي تغطي اليدين حتى المرفق والتي فرضها داعش على نساء المدينة منذ فرض عليها سيطرته المطلقة مطلع العام 2014 جزءاً من اللباس الشرعي حسب رؤية داعش وأشباهه من التنظيمات المتشددة لزي المرأة. القفازات المُكملة للزي، الذي يجب أن يُخفي كامل جسدها، ستكون ذريعة اعتقالها بعد ذلك بدقائق.

اعتقال وتصفية

لم يخطر لها للحظة أن خروجها في مشوار تسوّق صغير وهي تحتضن طفلتها الصغيرة سيكون آخر ما تفعله بإرادتها، لم تدرك أن الخطوات القليلة التي خطتها خارج باب منزلها في الرقة ستكون بداية نهاية رحلتها القصيرة في الحياة، ولم تفطن إلى أنها لن ترى صغيراتها الباكيات في انتظار أمهن بعد اليوم.

حال خروجها من المنزل طوقتها دورية داعشية واقتادتها إلى أحد معتقلاتها في مدينة الرقة، بذريعة عدم وضع قفازات اليد، وظهور كفي يديها. لكن أهلها لا يصدقون أن كل ذنبها هو عدم ارتداء كفين بيديها، بل يرجحون أنها كانت مراقبة، وأن الدورية الداعشية كانت تترصدها. فالسيدة "غ. ف" هي زوجة السيد "ص. س" أحد القادة العسكريين في الجيش الحر المرابط في مناطق من شمال الرقة على طول خطوط جبهة مشتعلة مع داعش، الذي يحكم مدينة الرقة بالحديد والنار.

يوم الخميس 5 تشرين الثاني 2015، وبعد عشرة أيام من اعتقالها، قام داعش بقتل السيدة غ. ف. بالرصاص في واحدة من أكثر النقاط حيوية وحركة في شارع تل أبيض، الوسط التجاري في قلب مدينة الرقة.

تهمة السيدة غ. ف. التي أعلنها داعش، هي الزنا. لكن الحقائق والتفاصيل تشير إلى أنها عملية اغتيال وانتقام حدثت بعد أن يأس داعش من محاولة استدراج زوجها لتسليم نفسه. فأثناء وجودها داخل المعتقل طلب أمنيو داعش منها الاتصال بزوجها، وتحدث بعضهم معه شخصياً لغاية تسليم نفسه والتوبة عن قتالهم وأعطوه مهلة لذلك دون أن يبينوا نواياهم في حال امتناعه عن الاستسلام لهم.

يقول السيد "ت. ح" أحد أقارب الزوح: "نعرف سلفاً أننا سندفع ثمن مواقفنا، لكن لا نقبل بتشويه السمعة"، في إشارة منه إلى الذريعة المعلنة لقتلها. كما يؤكِّد إلى أن قتل السيدة "غ" هو "اغتيال" وانتقام من زوجها الذي يقف على خط المواجهة العسكرية مع داعش الإرهابي، الذي وصلت روح الانتقام به إلى الامتناع عن "تسليم جثها إلى أهلها من أجل دفنها"، كما يذكر القريب.

أهل القتيلة يراسلون موقع الآن

وما يجدر ذكره هنا أن أهل السيدة المقتولة هم مَنْ بادر إلى الاتصال بمراسل موقع "الآن" وتزويده بتفاصيل ووقائع اغتيال السيدة "غ. ف" الأمر الذي يؤكد أن صبر السكان المحليين في الرقة من ممارسات داعش الإجرامية قد نفد. كما يبرهن على شجاعة ووعي نادرين في مواجهة الآليات التي يعتمدها داعش في التغطية على جرائمة، عندما يغطي جريمة اغتيال سياسي انتقامي بمسألة الزنا التي تثير حساسية خاصة في هذا المجتمع. وهذا يؤشر إلى أن المجتمعات الخاضعة قهراً لسلطة النار والحديد الداعشية بدأت تمسك بزمام المبادرة وتطرح لنفسها دوراً في المقاومة السلبية، على الأقل، لإجرام داعش.