أخبار الآن | الرقة – سوريا – (أحمد ابراهيم)
انجلى غبار قصف طائرات التحالف يوم 9/6/2015 على الطريق العام الواصل بين الرقة وتل أبيض مستهدفا سيارة نقل ركاب صغيرة. ركضتُ وشابين آخرين ونحن الوحيدان مع مجموعة عجائز رفضوا مغادرة بيوتهن في بلدة "الشركراك"، بعد أن غادرها معظم أهلها نازحين بسبب الحرب.
وكون بلدتنا تقع على مفترق طرق، فإنها تعد استراتيجية لكافة المتقاتلين من داعش والقوات الكردية والمتحالفين معها.
الدفن الأخير
كان أوّلهم ملقى على بعد أمتار من السيارة التي أصاب الصاروخ الطريق أمامها مباشرة فطارت بعيدا عنه مسافة ليست قريبة. عرفته مباشرة، إنه "أبو الهيجاء المصري" "أمير" بلدتنا. كان ينزف من رأسه وصدره وهو يتوسل بعينيه.
لم نفكر أنا والشاب الآخر بقرارنا، فقد قمنا بنقله فورا إلى بيت عمي. لم ننقله طبعا لأنه "أمير" البلدة، قمنا بحمله لأننا اعتدنا على إنقاذ من يحتاج ذلك، لكن أقرب بيت كان أمامنا هو بيت عمي "أبو عبد الصمد".
زوجة عمي عرفته مباشرة، وبالرغم من ذلك سمحت لنا بكسر باب غرفة "عبد الصمد" التي لم تُفتح منذ أن قام أبو الهيجاء بقطع عنق صاحب الغرفة.
حاولنا إنقاذه لكننا فشلنا فقد توفي متأثرا بجراحه البليغة. أتينا ببعض المواد الطبية وشاش وبدأت زوجة عمي بمساعدتنا بتكفينه. ذهلت وأنا أرى زوجة عمي وقد دمعت عيناها بينما هي تُغمض عينيه، وتذكرت وأنا أحفر قبره بجانب قبر "عبد الصمد" الذي رفض أبو الهيجاء أن ندفنه في مقابر المسلمين.
النقطة التي قطعت الأوصال وفصلت الرأس
عندما تم استدعائي من قبل عناصر الحسبة لأستلم جثة ابن عمي "عبد الصمد" وحيد أخواته الخمس، لم أكن أتوقع أنني سأرى قاتله وأدفنه بيدي.
من وقتها أيضا وأنا أشعر برعشة لا تفارقني كلما التفت حولي، كيف لي أن أشهد ذبح إنسان "ابن عمي" من الوريد إلى الوريد وقطع رأسه باسم الدين.
كان ذنب "عبد الصمد" 23 عاما هو لغط بكلمة "محلية" تناهت إلى سمع أمير داعشي. فقد قام الشاب بشتم أحدهم عند فرن بلدته "الشركراك" في ريف الرقة الشمالي صباح 4/11/2014 بشتيمة وصلت إلى أذن المصري البلجيكي "أبو الهيجاء" تغير معناها بسبب نقطة في الكلمة.
دفع عبد الصمد حياته بسبب كلمة "يلعن ديبك" المتعارف عليها في المنطقة وفي أنحاء كثيرة في سوريا، كتعبير عن عدم الرضى عن سلوك معين، لكن جهل المهاجر الداعشي باللكنة المحلية جعلته يسمع الكلمة بشكل خاطئ فكانت النقطة التي غيّرت الحرف من الباء إلى النون في الكلمة المذكورة.
وبالرغم من أن المتواجدين بمن فيهم الشخص الذي تم شتمه قد شهدوا له بمقصده وبتوضيح معنى الكلمة، إلا أن ذلك لم ينفع بشيء فقد سمعها عناصر داعش كما يريدون، فسمعهم هو الأصدق!.
"عبد الصمد" وحيد والديه، ومحبوب من كل القرية والجميع يدللونه فهو متفوق بدراسته في "معهد التمريض"، وبحكم مهنته كان مقربا من الجميع وكان الأهالي ينادونه تحببا "الدكتور".
فشلت كل الوساطات التي بُذلت وشهادات الشهود وتمترس أمه أمام بيت "أبو الهيجاء المصري" لتسعة أيام، ولم تفلح دموعها وعواطفها في تغيير رأيه الذي أصر عليه وأقسم يمينا أمام الهيئة الشرعية بأن عبد الصمد قد قال كلاما كافرا، وبناء عليه فقد اُعتبر عبد الصمد كافرا وسينفذ به حكم الردة ألا وهو القصاص.
حلقة من البشر جمعها عناصر داعش من أهالي قرية تل السمن، التي اختارها عناصر داعش لتنفيذ حكم القصاص "شمالي الرقه 40 كم". بالإضافة إلى حاجزهم هناك، الذي أنزل جميع ركاب السيارات العابرة ليشاهدوا "حكم الله بهذا الكافر المرتد" الذي كان معصوب العينين ومكبل اليدين للخلف وجاثيا على ساقيه.
كاشف الوجه كان "أبو الهيجاء"، متوسط البنية ويدور حول فريسته كالذئب بعد أن بسمل وكبّر. قال: "ويسألونك عن حكم من سب الدين "من سب الدين فقد كفر"، من أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالذي شرعه الله تعالى فقد كفر لقوله تعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين".
"هذا الكافر المرتد قد سبّ الدين"، وهوى الساطور على الرقبة الطرية الغضة وسط تكبيرات عناصر داعش.
"هذا الكافر لن يدفن في مقابر المسلمين فالمرتد الكافر لا يُغسل ولا يكفّن ولا يدفن في مقابر المسلمين".
استلمت جثة عبد الصمد الذي زكاه كل الناس، ولكن هذا الداعشي أصر أن يقطف رأسه بيده، ودفنه بعيدا عن القرية. هكذا أراد "أبو الهيجاء" المصري البلجيكي، الذي أصرت زوجة عمي على دفنه بجانب ابنها عبد الصمد.
اعترضت على الأمر بداية لظني باختلاط الأمر عليها. سألتها: لماذا؟. أسكتني جوابها، قالت: "أريده أن يقف إلى جانب ابني أمام يدي الله ليتبين أن عبد الصمد كان بريئا وليحاسبه الله على ما فعله بابني وبي".