أخبار الآن | متابعات– (يمنى الدمشقي)

في يوم 21/8/2015 أصدر المكتب الاتحادي الألماني للهجرة تعليمات داخيلة بتعليق إجراء دبلن وقبول اللاجئين الذين خالفوا الاتفاقية، ووجوب العمل بها بشكل مباشر، حيث كانت اتفاقية دبلن تقضي أن تتحمل الدولة مسؤولية من يبصم لديها أو يحصل على فيزا شنغن من سفارتها أو يعبر بها كونها أول دولة يدخلها في الاتحاد الأوروبي. وتفاقمت هذه الأزمة كثيراً مع مأساة اللاجئين السوريين وازدياد توافدهم وخاصة إلى ألمانيا التي تكسر بعض ولاياتها هذه البصمة، إلا أن القرار الأخير بات يشمل جميع الولايات الألمانية، وبذلك باتت أكبر مشكلة تواجه السوريين وتؤرقهم على وشك الحل.

مشكلات البصمة المعضلة

وبحسب المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين فإن 131 سورياً تمت إعادتهم من ألمانيا إلى الدول التي بصموا بها في إطار هذه الاتفاقية، فيما كان قد وصل أكثر من 145 ألف لاجئاً سورياً إلى ألمانيا. بينما توقعت الحكومة الألمانية ارتفاع عدد اللاجئين مع نهاية هذا العام إلى 800 ألف لاجئ سوري، وسجل بين شهري كانون الثاني وتموز من العام الجاري ما يقارب 44417 طلب لجوء للسوريين، بحسب وكالة دويتشه فيلا الألمانية.

وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في 25/8/2015 أنه من المتوقع عبور ما يصل إلى 3000 شخص يومياً إلى مقدونيا خلال الأشهر المقبلة في مقدمتهم سوريون، مما يدل على الانفجار الكبير في موجات اللجوء التي باتت تشهدها أوروبا.

وبحسب وكالة BBC البريطانية فإن 5700 شخص تقدموا للحصول على حق اللجوء في مدينة هامبورغ وحدها شمالي البلاد و7065 في مدينة "بادن" جنوب غربي البلاد.

أسفر هذا التضخم في أعداد طلبات اللجوء عن نشوب مشاكل عدة لدى اللاجئين لكن أبرز هذه المشاكل كان بصمة دبلن، فقد كات هاجساً يؤرق اللاجئين، لما تعني من تأخر طلباتهم وصدور إقاماتهم وجعلهم في نهاية القائمة قياساً لمن لم يبصم في أي دولة أوربية.

 

"وسام" شاب سوري من مدينة دمشق في 25 من عمره، امتطى قارباً من مصر وصولاً إلى إيطاليا، وبعد رحلة دامت أسبوع في البحر، وصل يوم 15/9/2014 إلى إيطاليا، مكث يومين في مركز إيواء اللاجئين، وأجبر هناك بالقوة وبعد تعرضه للضرب على أن يبصم في إيطاليا، إلا أن وجهته كانت ألمانياً لوجود أقاربه وأصدقائه هناك، وصل إلى ميونخ وسلم كل ما يملك من أوراق ثبوتية هناك، وبعد مرور شهرين أجرى الفحص الطبي، ثم المحاكمة، ومنذ تلك اللحظة لا زال بانتظار الرد من المحكمة بشؤون قبوله كلاجئ، وقام مراراً بمراجعتهم إلا أن الجواب الحاضر دائماً كان "سنرسل لك بريداً في حال حدوث أي مستجدات"!

وبعد مرور عام كامل لا زال وسام يقطن في بيت مشترك مع أصدقائه، ورغم أن الحكومة الألمانية تتولى تأمين المساعدات الاجتماعية له، إلا أنه لازال يعيش في تشتت كبير: "فعدم البت بطلب لجوئك يعني أنك مجمد، لا تستطيع أن تتعلم اللغة ولا تستطيع أن تحدد مصيرك في هذا البلد، أو تعود لحياتك من جديد!".

ويأمل وسام من القرار الجديد الذي أصدرته ألمانيا أن يصدر قرار البت بلجوئه سريعاً فقد مضى عليه حتى الآن عام كامل!

ويخشى الكثيرون من بصمة أي دولة بما فيها هنغاريا! ويدفعون مبالغ طائلة لعبورها مع مهربين خشية أن يتم إمساكهم هناك، حيث تتم معاماتهم معاملة سيئة ويتعرضون للضرب والإهانة من قبل الشرطة الهنغارية، ثم يجبرون على أن يبصموا هناك، بينما لازالت هنغاريا محافظة على نظامها السوفيتي ولا يوجد فيها فرص عمل ولا تقدم أي خدمات اجتماعية قياساً لألمانيا!

وكانت "سلام" فتاة في العشرين من عمرها بصحبة والديها، قد ألقي القبض عليها في هنغاريا أثناء محاولتها الهجرة الغير شرعية هناك، وتم اقتيادهم من محطة بودابست إلى السجن ومن هناك تم نقلهم إلى مكان أشبه بالمخيم، حيث تم جمعهم في خيم صغيرة، ومصادرة كل ما يملكون حتى ملابسهم! بينما لم يقدم لهم إلا الضئيل من وجبات الطعام، ثم أجبروا بالقوة على أن يبصموا في هنغاريا وإلا ستتم إعادتهم إلى صربيا، وبالفعل بصموا ثم تم نقلهم في اليوم التالي إلى مخيم للاجئين وهناك هربوا ليلاً إلى ألمانيا تاركين كل أمتعتهم خشية أن يفتضح أمرهم. وصلوا إلى "نيومنستر" في ألمانيا وأعطي موعد محاكمتهم بعد شهرين، وبالفعل تمت محكامتهم إلا أن الأمر الذي تعسر هو فقدان أوراقهم الثبوتية في هنغاريا، الأمر الذي جعلهم بلا قيود تثبت أنهم سوريون في الأصل، وبنفس الوقت فهم يخشون أن يبوحوا للقاضي أنهم قد تركوا أوراقهم في هنغاريا خشية أن تتم إعادتهم إليها! لكنهم يتأملون مع صدور هذا القرار أن تحل مشاكلهم.

مشكلات المخيمات والسكن

وتمتد مشاكل السوريين من بصمة دبلن، إلى أخرى أبرزها مشكلة السكن قبل وبعد الإقامة، فقبل الإقامة تغص المجمعات بأعداد هائلة من اللاجئين حتى وصل الامر في ولاية ميونخ أن يوضع أكثر من عشرين شخصاً في غرفة واحدة، بينما في ولايات أخرى باتت العائلات تفصل عن بعضها، وتمتد الفترة إلى أكثر من ست شهور، مما يؤزم الوضع كثيراً.

ففي شمال البلاد، يتحدث "سامر" كيف تم فصله عن زوجته الحامل كل في غرفة دون النظر إلى الوضع الصحي الذي تحتاجه زوجته، مع سوء المكان الذي يعيشون فيه، حتى أنهم باتوا يضطرون لقضاء يومهم في الشارع متنقلين بين الأرصفة ليتمكنوا من أن يروا بعضهما.

بينما "محمد" استلم ورقة الإقامة منذ ستة شهور في دوسلدوف ولازال حتى الآن يبحث عن مكان يأويه ليباشر بإجراءات لم شمل أسرته في تركيا، ولم يجد شيئاً حتى الآن.

وبعيداً عن كل هذه السلبيات فإن الحكومة الألمانية تحاول جاهدة تغطية حاجات اللاجئين من الواصلين الجدد والقدامى إليها، من خلال تقديمها للخدمات الاجتماعية المتنوعة وتنوع الجمعيات والمنظمات فيها التي تعمل جاهدة على خدمة اللاجئين، إضافة إلى احتواء الشعب الألماني لهؤلاء القادمين واعتقاده بأنه من الواجب عليه الوقوف بجانبهم في هذه الأزمة الإنسانية، أضف إلى ذلك فرص العمل المستقبلية في ألمانيا التي قد تتاح أمام السوريين، والدعم الذي قد يتلقونه من المؤسسات التي ستقوم بتدريبهم في المجال الذي يريدونه، وهذا ما يفسر لماذا يختار السوريون ألمانيا أكثر من غيرها من دول الاتحاد الأوروبي.