أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)

يلف غموض مطبق حادثة مصرع الشيخ "عمار درويش" اليوم في مدينة تل أبيض على الحدود السورية التركية؛ يشمل الغموض ما يخص هوية القتلة وما يتعلق بدوافعهم وكذلك ما يرتبط بملابسات الحادث على حد سواء.

وحسب روايات شهود عيان فقد أطلق مجهولان يقودان دراجة نارية اليوم صباحاً النار على الشيخ درويش وابنه أمام محل الأدوات الكهربائية، الذي يملكه في مركز مدينة تل أبيض، من مسدس مزود بكاتم للصوت فأصابته إحداها في عنقه مؤدية إلى وفاته حال إيصاله إلى المشفى الوطني في تل أبيض، فيما أُسعف ابنه إلى مشفى في تركيا.

اغتيال سياسي

تؤكد الوقائع المتوفرة إلى أن حادث مصرع الشيخ درويش هو اغتيال سياسي مدبر ومدروس ومخطط؛ إذ يشير استخدام القتلة لكاتم الصوت وسرعة فرارهم من مكان الجريمة إلى احترافيتهم وإلى وجود دوافع سياسية وراء الجريمة. ولكن عند هذه النقطة تختلف الآراء حول هوية منفذي الجريمة، وتالياً هوية المستفيد من عملية الاغتيال والرسالة التي يريد إيصالها عبرها.

بعد ساعات من الحادث، سارعت قوات حماية الشعب إلى إعلان أن "داعش" أو بقاياه، حسب تعبيرها، هو من نفذ جريمة القتل وأعلنت أنها قتلت شخصين اعتبرتهما منفذيّ الجريمة، كما عرضت صورة لجثتي رجلين تغطيهما الدماء على أنهما القاتلين المفترضيَن.

كما أن السيد محمود درويش، شقيق الشيخ، والذي اعتذر عن الإجابة عن أسئلتنا نظراً لظروف العائلة وانشغاله بتقبل العزاء، وجَّه من جهته الاتهام إلى "داعش" باغتيال شقيقه في تعليق له على صفحته في الفيسبوك يقول فيه: "داعش الغدر، تغتال أخي الشيخ عمار في مدينة تل أبيض؛ ثمانية أشهر يقولون وراءه: الله اكبر؛ ثم أبعدوه عن المسجد ونفوه إلى تركيا، والآن يغتالونه". كما ذكر لاحقاً أن ابن أخيه المصاب قد "تعرَّف على الجُناة".

الاغتيالات في الرقة .. بين داعش وقوات الحماية الكرديةبين "داعش" وقوات الحماية الكردية

لكن ناشطون محليون شككوا في صحة رواية قوات حماية الشعب، وألمحوا إلى احتمال أن يكون لقوات حماية الشعب ذاتها ضلع في اغتيال درويش. واحتجوا في ذلك أن من يستطيع الدخول إلى مركز مدينة تل أبيض، أي، إلى قلب المنطقة الأمنية، التي تحميها قوات PYD وجهاز الأمن التابع لها المعروف بالأسايش، كان ليخاطر ويستهدف قادة هذه القوات مثلاً أو أعضاء من مجلس الأعيان المصنفين كـ"خونة" ومتعاملين مع المرتدين والكفار، بحسب تصنيفات "داعش". ويدعم الناشطون هذا الرأي بأن الشيخ درويش كان قد أُجبر على حضور اجنماع لما يُسمى "لجنة الأديان" التابعة للإدارة الذاتية الكردية في مدينة تل أبيض، إلّا أنه اعتذر عن المشاركة في أعمال هذه اللجنة أثناء هذا الاجتماع ذاته وأنهى علاقته بها، وتالياً فلا مصلحة معلومة لـ"داعش" في استهدافه.

ويرى هؤلاء الناشطين أن لقوى الأمر الواقع في تل أبيض، ممثلة بقوات PYD، مصلحة في إحداث فوضى مضبوطة ومدروسة كي تجدد وظيفتها وشرعيتها أمام القوى التي ترعاها وتمولها، وذلك بإظهار أن "داعش" لا يزال قادراً على اختراق المنطقة أو أن له فيها خلايا نائمة، وهذا ما يبرر استمرارها في ممارساتها في تهجير سكان المنطقة بطريقة هادئة وناعمة وعرقلة عودة سكانها الذين هجرتهم هذه القوات خلال الأشهر الأربعة السابقة بعد بسط سيطرتها على الأرض تحت غطاء وفره لها طيران التحالف الدولي. كما أنها تعتقل الكثير ممَنْ يمكن استخدامهم في عمليات كهذه ثم التخلص منهم، وفق أسلوب برع النظام السوري فيه دائماً وظهر فيه قدوة وأمثولة.

تأتي هذه التجاذبات والتراشق بالتحليلات والاتهامات في ظل فراغ قانوني وقضائي وغياب أية مؤسسات حقوقية مستقلة ونزيهة ومحايدة لتوثيق هذه الحوادث والتحقيق فيها. والأرجح أن قضية اغتيال الشيخ عمار درويش ستطوى دون أي تحقيقات جدية أو تحميل للمسؤوليات حالها حال قضية وفاة أيمن الطحري، الذي تُوفي في سجن البوابة الحدودية التابع لقوات PYD، فأثيرت عقبها اتهامات لهذه القوات بقتله تحت التعذيب، لكن دون التوصل إلى نتائج أو دلائل مؤكدة أو نافية. وإلى حين يحصل السوريون فيه على مؤسسات قانونية وحقوقية وأمنية تصون وتحمي حياتهم وحرياتهم وكرامتهم، فإنهم سيبقون على ما يبدو أهدافاً للميليشيات المتنازعة تتراشق بهم رسائل العنف والموت والكراهية.