أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا -(سعاد خبية)
في ساحة المنزل الصغيرة وأمام كومة من محصول الذرة تجلس عائلة عبده رجب وعائلتين أخريين كانتا ضيوفا عليها، يقشرون جميعا محصول الذرة بعد حصاده لتجفيفه والاحتفاظ به غذاء للشتاء مع ما تعيشه الغوطة الشرقية من حصار خانق مستمر منذ ثلاثة أعوام، ومن عوز وجوع وارتفاع جنوني في الأسعار ، لتتقاسم العائلات المجتمعة المحصول وتعتمد عليه كطعام أساسي في فصل الشتاء القاسي الذي تنتظره، هنا في بلدة (بيت سوى) إحدى البلدات الصغيرة في الغوطة، والتي تتعرض كل مدة من الزمن لقصف بالمدافع أو غارات بطيران بشار الأسد فتوقع ضحايا من المدنيين في كل مرة.
يترك – عبدو رجب – الأب ذو الثلاثين عاما زوجته وأطفاله مع أقربائهم يتابعون عملهم فيما يتوجه هو لأخذ قسط من الراحة بعد عمل طويل اليوم فيدخل غرفته ليتمدد تحت سقفها الذي لم يلبث لحظات حتى أطبق عليه مباشرة، فقد كانت تلك اللحظة هي ذاتها التي قرر فيها قائد الطائرة الحربية التي كانت تمسح سماء المنطقة مع طيران الاستطلاع محلقة منذ ساعات في الأجواء ومتأهبة للقتل وإزهاق الأرواح وقد أصابت مباشرة عائلة رجب وضيوفها بغارتين جويتين متتاليتين.
حاصر ركام المنزل المتداعي الأب وأطبق السقف والجدران عليه وهو نائم فعلقت قدماه بين الكتل الاسمنية حتى كادت تسحق فيما بقي رأسه محميا ببعض الفراغ، حتى تمكن فريق الدفاع المدني من رفع كتل الإسمنت بأعجوبة بواسطة بلدوزر وبعض الرافعات، ليتمكنوا من انقاذه وحمايته من وقوع بعضها على رأسه لينتشل حيا فيما يخطف الموت منه زوجته وطفلتاه ومن كان عندهم من ضيوف، فقد قتل في لحظات ثلاث أمهات مع أطفالهم الأربعة كن يدافعن عن لقمة عائلاتهن وعيشهم ويعملن على ضمان إبقائهم أحياء خلال الشتاء القادم والذي يعني مزيدا من الحاجة والجوع عبر تموين الذرة، وهن إيمان خلف زوجة عبده رجب وطفلتيها راما ورهام رجب، وقريبتهم الشهيدة منى العربيني، وطفلها نور الدين غنوم، وقريبة أخرى هي مرفت أبو الجوز وطفلتها بيان حجازي.
تسع غارات جوية نفذتها طائرات الأسد خلال يوم واحد على مواقع يؤكد أهالي المنطقة أنها بعمومها مواقع مدنية ولا وجود لأي مقار عسكرية قريبة منها، وقد وزعت تلك الطائرات موتها اليومي على مناطق أخرى، فإضافة لغارتي بيت سوى محور التقرير فقد استهدفت الطائرات أطراف مدن دوما وعربين ومسرابا بسبع غارات أيضا ما أوقع عددا من الإصابات ليس بينهم شهداء سوى عائلة رجب وضيوفها.
بيت سوى قرية صغيرة تماثل عشرات القرى في الغوطة الشرقية لا تتوفر فيها بنية تحية أو مرافق صحية أو اسعافية بسبب قصف وتدمير تلك المرافق ومن أهمها المشافي من قبل الطيران وحصار المنطقة ومنع دخول الدواء والمستهلكات الطبية والأجهزة الطبية إليها ما تسبب في إغلاق عموم المستوصفات والمشافي فيها، كما لا يوجد فيها بسبب قلة عدد سكانها قياسا بالمدن أي فرق للدفاع المدني أو متطوعي الهلال، وهو ما يحتاج بالضرورة لتدخل فريق المؤزرات في الدفاع المدني الذي يقوم بمهمة تخديم عامة لتلك المناطق ويقوم بإسعاف المصابين منها لمراكز ونقاط اسعافية ميدانية في مناطق أخرى، وقد قامت وحدات الإخلاء والإسعاف في فريق المؤزرات المتمركز في مدينة سقبا القريبة بحسب ما قاله لنا عضو المكتب الإعلامي في الدفاع المدني – فراس الدومي – المرافق لفريق الإنقاذ الذي هب مسرعا للقيام بواجبه في انتشال الضحايا في البلدة المنكوبة ووصف الدومي الوضع الذي عاينه بنفسه بعد الغارات بأنه "كارثي" مع انتشار حالة من الغضب والخوف الشديدين والفوضى بين الأهالي الذين رفضوا في البداية وجود أي كاميرات أو تصوير للحادثة خوفا من عودة القصف وانتقام النظام منهم.
بقايا أشلاء شهداء المذبحة
ومع ذلك يقول فراس إن فريق الدفاع قام بمعجزة كما وصفها عندما استطاع انتشال الأب حيا بالرغم من حصاره لوقت طويل تحت الركام الإسمنتي وقد خرج بجروح ورضوض بسيطة، فيما قضى الجميع وتحولوا إلى أشلاء، وصف عبد الله الحافي أحد إعلامي المنطقة وشهود الحادث المشهد بالمرعب فقد اختفت جثث سبعة أشخاص ولم يتبق منها سوى قطع متناثرة وبعض الملابس التي علقت على رؤوس الأشجار وتابع الحافي بالقول: "لم نعرف عدد الشهداء وجنسهم وأعمارهم لأننا لم نجد أي جثث وقد جمعنا بعض أعضائهم من مسافات بعيدة ومن فوق الأشجار".
لقد كان الأب هو المصدر الوحيد للمعلومات بعد انتشاله فقد عرفنا منه أسماء من كان يجلس في ساحة الدار وأعمارهم قبل أن يعلم بموت الجميع ويدخل في صدمة عصبية حادة ليجد نفسه وحيدا فيما الجميع استشهد.
أشلاء الأطفال و ملابسهم على الأشجار
كان جميع ضحايا القصف خلال هذا اليوم من النساء والأطفال فقط وكان كذلك في اليوم السابق (الجمعة) فقد استهدفت غارة جوية منزل عائلة في مدينة دوما في ذات المنطقة وقتلت ثلاث نساء كلهن أمهات أمام أطفالهن، فيما استشهد شخص وأصيب كامل أفراد عائلته بجروح جراء سقوط قذيفة هاون على منزلهم في مدينة جسرين أيضا.
ويذكر بأن منطقة الغوطة الشرقية تتعرض منذ شهر آب اغسطس الفائت لقصف وغارات جوية متواصلة تستهدف المدنيين بشكل أساسي دون توقف، ودون أي تدخل أو ضغوط خارجية أو دولية للجمها وتوفير حماية للمدنيين، وقد سجل حدوث أكثر من 25 مجزرة قتل فيها المئات خلال الشهر والنصف السابقين فخلال خمسة عشر يوما فقط من شهر آب أغسطس بلغ عدد الغارات الجوية التي استهدفت منطقة الغوطة الشرقية من قبل طائرات الأسد خلال النصف الثاي من شهر آب – 147 – غارة جوية خلفت (131) شهيدا ثلثهم من النساء والأطفال وأكثر من سبعمئة وخمسين مصابا منها عشرات حالات البتور ودمارا كبيرا بحسب احصائيات رسمية من المجالس المحلية والمكاتب الطبية المعتمدة، ومع ذلك لاتزال تلك الطائرات مستمر في عدونها على المدنيين وقتلهم كما لايزال حصار تلك المناطق مستمرا وبشكل تصاعدي دون أي اكتراث من العالم.