ساحة الرأي | أخبار الآن – (لانا اللبابيدي)
مع كشف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، عن تقارير بوجود حشد عسكري روسي كبير في سورية، يتضمن نشر قوات برية وسفن شرق البحر المتوسط؛ بداً واضحاً أن العواصم الأوروبية باتت تستشعر أكثر وأكثر مضامين رسائل التحدي الروسية الجديدة، خصوصاً وأن سخونة الأزمة الأوكرانية المستعرة أساساً بين الطرفين لم تفتر بعد.
صحيح أن روسيا اندفعت عسكرياً لنجدة حليفها الأسد بكل ثقل وعلانية ووضوح، وهو مايخالف كل التوجهات الدولية بعدم التدخل العسكري في الأزمة السورية وإفساح المجال للحلول السياسية. إلا أن ذريعة محاربة "الإرهاب" التي استخدمتها موسكو – وإن لم تنفذها على الأرض السورية- لاشك أنها أحرجت العواصم الغربية، خصوصاً بعد فشل التحالف الدولي في القضاء على داعش.
فالأولويات اختلطت في المشهد السوري، بين القضاء على داعش ومحاربة الأرهاب" وبين تنفيذ مقررات جنيف بتشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، يتم دعمها وتمكينها إقليمياً ودولياً لتنفيذ مهمة محاربة الإرهاب والتطرف لاحقاً.
وباستعراض سريع لمواقف أهم العواصم الأوروبية الفاعلة والمؤثرة يظهر بعض التباين في رؤيتها لكيفية الرد على هذه الرسائل الروسية، وإن كانت في المشهد العام منسجمة في رفضها.
أكثر المواقف شدة ووضوحاً من التدخل الروسي تصدرته باريس، ففي معلومات وصلتنا من مصادر مقربة من الرئاسة الفرنسية فإن المحادثات الأخيرة بين الرئيسين الفرنسي والروسي والتي استمرت لأكثر من ساعة، لم تسمح بتقريب وجهات النظر في ما يتعلق بتسوية الأزمة السورية القائمة منذ 2011 عبر إرساء حكم انتقالي.
وكان الرئيس فرانسوا أولاند وجه انتقادات لاذعة لسياسة روسيا في سورية قائلاً في حديث له لقناة "Arte": "إنها باتت حليفة للأسد وليست حليفة لنا". وكشف أيضاً أنه طلب من الرئيس الروسي خلال لقائهما الأخير في الإيليزيه أن تنحصر الضربات الروسية على داعش فقط. أما حول مسألة بقاء الأسد فسبق أن أشار وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس من نيويورك إلى أن الأسد لا يمكنه أن يحكم سورية إلى الأبد.
الموقف البريطاني كان الأكثر براغماتية ودبلوماسية بين الدول الكبرى المؤثرة مع دعوة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى إجراء محادثات حول مرحلة انتقالية في سورية، من غير الضروري أن يتنحى فيها بشار الأسد فوراً عن السلطة. واصفاً العمليات العسكرية الروسية في سورية بالخطأ، ومتعهداً بتعزيز قوات بلاده.
بدوره الموقف الألماني جاء وسطاً حين دعا وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير إلى تشكيل حكومة انتقالية في سورية للخروج من المأزق الحالي. كما استبعدت وزيرة الدفاع أورزولا فون دير لاين، أن يكون "رأس النظام السوري بشار الأسد جزءاً من الحل في سورية على المدى الطويل".
الجديد في سماع التصريحات الأوروبية هذه، ليس معاودة سماع القبول بدور للأسد في المرحلة الانتقالية -وإن لفترات محددة- بل الحاجة الأوروبية المتزايدة لإنضاج أي ظروف ممكنة تكفل تحقيق تسوية لمشاكل لاحقة تصل منعكساتها إلى أراضيها، وخصوصاً أزمة اللاجئين، وهي أمور تتمايز بها عن الولايات المتحدة البعيدة جغرافياً واقتصادياً وأمنياً عن تحمل تبعاتها.
فمع استفحال الأزمة الإنسانية السورية وتصاعد حدة الإرهاب من جهة، وارتفاع وتيرة الهجرة إلى أوروبا من جهة ثانية، ربما بدأت بعض العواصم الغربية تميل إلى مراقبة الطرح الروسي وربما مسايرته، لتغدو الأولوية منصبة لحسم قضيتي الإرهاب والمعاناة الإنسانية ومعهما إشكالية تدفق اللاجئين. ولاحقاً بحث مسالة الحل السياسي.
حتى إن قراءة بعض الصحف الأوروبية مؤخراً يظهر كيف أنها وفي وقت واصلت فيه التأكيد على استحالة بقاء الأسد، كمجرم حرب تسبب وساهم في المأساة السورية. لكنها باتت تركز أكثر على أن محاربة داعش تتطلب حضوراً عسكرياً برياً على الأرض، ولمّا كانت دول الناتو لا تقوم بذلك، ما المانع من انتظار ماستقوم به روسيا وحلفاؤها؟
ولهذا قد يجد الأوروبيون اليوم أقرب إلى موسكو في الشق الذي يتعلق بحلول سياسية تضم كل الأطراف المعنية أو المؤثرة تؤدي لإنهاء الأزمة السورية وبالتالي تبعاتها على دولهم، لكنهم بالمقابل باتوا أقرب إلى موقفي باريس وواشنطن دولياً والرياض وأنقرة إقليمياً فيما يتعلق بالصيغة النهائية لهذه التسوية السياسية واستبعاد أي دور الأسد في مستقبل سورية.