أخبار الآن | دبي- خاص- (عماد كركص)
عن عمر ناهز 95 عاماً، توفي قبل أيام في دبي – الإمارات العربية، اللواء الجوي الركن المتقاعد "محمد أسعد مقيّد" ابن مدينة حلب، الذي كان أحد مؤسسي الجيش العربي السوري عام 1946 مع العديد من الضباط الشرفاء والوطنيين في ذلك الوقت.
لم يخطر ببال اللواء الركن أن أول جيش سوري وطني سوف يحوّله حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار إلى مؤسسة لحماية نظامهما مستخدمين كل وسائل الإجرام لتكون أكبر مصدر للموت في بلد أخذ الجيش على عاتقه حمايتها بشعار أطلقه عليه مؤسسوه "حماة الديار".
تاريخ من الشرف
وكان اللواء المتوفى قد شارك في أول عرض عسكري للجيش في 17 نيسان عام 1946، وعمل على تأسيس الجيش وتدعيمه بعد جلاء المستعمر الفرنسي بلا توقف.
انتقل بعدها ليدرس الطيران الحربي في انكلترا، وتخرج من الكلية الفنية لسلاح الجو البريطاني عام 1953، بالإضافة لتخرجه من معهد دراسات الحرب الجوية العليا في القاهرة عام 1961 بدرجة امتياز ومُنح حينها لقب ضابط ركن اختصاص طيران.
جاءت حركة 23 شباط 1966 الانقلابية، وتسلّم العسكر مقاليد الحكم وعلى رأسهم حافظ الأسد وصلاح جديد، بعد الإطاحة بالرئيس أمين الحافظ وعدد من مؤسسي حزب البعث من بينهم "ميشيل عفلق وصلاح البيطار".
عُيّن اللواء الراحل "محمد أسعد مقيّد" نائباً لقائد القوى الجوية والسلاح الجوي في ذلك الوقت حافظ الأسد، وبقرار من الأسد نفسه. وعزل من هذا المنصب بقرار من حافظ أيضاً؛ في 1 كانون الثاني عام 1970، أي في العام الذي انقلب فيه حافظ الأسد على رفاقه بما سُمّي حينها "الحركة التصحيحية"، التي قام الأسد الأب فيها بنفي بعض رفاقه القدامى وزج بآخرين في السجون.
في اليوم الثاني لعزل "مقيد" عيّن في مكتب، كانت وزارة الدفاع قد استحدثته في ذلك الوقت، مسؤولاً عن الاتفاقيات الدولية والعقود الخارجية الخاصة بالقوات المسلحة بشكل مركزي سميّ بـ "مكتب تأمين الجيش" وبقي في ها المنصب حتى تقاعده عام 1980.
كان اللواء "مقيد" يجيد أربع لغات "الإنكليزية والروسية والفرنسية والألمانية"، إضافة لخبرته في مجال شراء السلاح ولاسيما الطيران الحربي، وامتلاكه جواز سفر دبلوماسي يستطيع من خلاله زيارة كافة دول العالم لتنفيذ مهامه، إلا أن قرار تقاعده كان مفاجئاً، ليقرر بعدها الهجرة إلى فرنسا ويقيم فيها حتى زيارته العلاجية الأخيرة إلى دبي والتي توفي فيها قبل أيام.
خلاف مع رفعت الأسد
وعن سر تقاعد اللواء "مقيّد" المبكر ومغادرته سوريا في أوج عطاء خبرته، صرّح الباحث والمؤرخ "فايز قوصرة" ابن شقيقة اللواء، لأخبار الآن:
"في ذلك الوقت كان خالي اللواء مرشحاً لمنصب معاون وزير دفاع، وكان جديراً بتسلم هذا المنصب نظراً لخبرته وكفاءاته، لكن رفعت الأسد وقف في وجه تعيينه لخلافات بينهما سببها محاولة رفعت تمرير بعض تجاوزاته عبر اللواء، وحاول رفعت مراراً إقصائه عن مركز القرار، حتى صدر قرار بإحالته إلى التقاعد، وهذه الرواية سمعتها من خالي في يوم من الأيام".
الهجرة والمرض والموت
يضيف "قوصرة": "بعد إحالته على التقاعد، طلب السفر خارج سوريا، واختار فرنسا كون ابنته تقيم هناك، وأتته موافقة سريعة على السفر وكان مستغرباً لذلك، كونه يعلم الكثير عن أسرار الجيش ولاسيما أنه كان عرّاب العديد من صفقات السلاح ولاسيما الطيران التي كان الجيش يشتريها، لكن يبدو أن قرار الموافقة كان لإبعاده عن الساحة، كونه كان من أهم الأسماء العسكرية في ذلك الوقت، وبسفره يكونوا قد تخلصوا من شخصية كانت لتؤثر على القرار العسكري في حال أي خلل ما، ولاسيما أن تلك الفترة كانت بداية التحرك ضد حافظ الأسد".
ويتابع: "في الفترة الأخيرة قلت الاتصالات بيننا وبينه ولاسيما بعد اندلاع الثورة، ويبدو أن تقدمه في السن وتردي حالته الصحية منعتاه من مواكبة الأحداث بشكل كبير وإبداء تصوراته، لكن لا بد أنه كان حزين على المؤسسة التي أسسها هو ورفاقه بجهد وتفاني ليكون أفرادها حماةً للديار، وحوّلها نظام الأسدين كمصدر لموت السوريين والاستقواء عليهم وتخريب بلادهم".
وختم قوصرة بالقول: "مات خالي فقيراً ولم يأكل الحرام، كما كان يفعل الكثير من ضباط الجيش المحسوبين على النظام، وكان من الشرفاء الوطنيين في سوريا".
يذكر أن اللواء "مقيّد" ألّف كتاباً بعنوان "مسيرتي في الحياة – تأريخ لم يؤرخ له الآخرون"، صدر عن دار الذاكرة في بيروت عام 2005.