أخبار الآن | كفرنبل – سوريا (مها رباح)
تخرج "صباح" 42 عاما، من مشفى الخطيب في كفرنبل وهي منهكة القوى وملامح الحزن بادية على وجهها، يجرها زوجها نحو سيارة تقلها إلى منزلها بعد أن فقدت جنينها الثالث بعملية "كورتاج" أجريت لها فى المشفى.
ليست هذه المره الأولى التي تفقد فيها صباح جنينها بل الثالثه خلال السنتين الماضيتين من الثورة، وعادة ما تتم عملية الإجهاض خلال الاشهر الأولى من الحمل.
فوبيا القصف والطيران
صباح واحدة من نساء كفرنبل وريف إدلب بشكل عام ممن يتعرضن لأمراض مختلفة جسديه وغيرها نتيجة الخوف. تقول صباح: "عندما أكون حاملا حالما أسمع صوت الطائرة تنقض فوق مدينة كفرنبل تريد قصف موقع ما أشعر بخوف شديد مما يضطرني بعد استمرار عمليه النزيف أن أخضع لعملية كورتاج جديدة".
زوج صباح "أبو أيمن" 40 عاما، يعتقد بأنه يجب أن يكون له ولد رابع بمثابة أخ لأيمن فحسب رأيه صبي وبنتان أولاد قليلون.
لم تكن حال "وفاء" أحسن من حالة صباح حين جاء صاروخ بجانب بيتها وهي حامل في الشهر الثامن وتنتظر صبيها الثالث. وحدث ما لم تتوقعه حين بدأت تشعر بالطلق مبكرا جراء فما كان أمامها إلا أن ذهبت وهناك أعطتها الطبيبة أدويه توقف الولادة المبكرة وطلبت منها الراحة وعدم الحركة.
لكن الطلق عاد مرة أخرى أقوى من ذي قبل بمجرد أن سمعت صوت الطائرة يهدر في سماء مدينتها من جديد. وتؤكد الطبيبة "أمل" أن الطلق الذي أصاب وفاء في المرة الثانية كان أقوى وشديدا لدرجة أنها جاءت إليها وهي في وضعية ولادة حقيقية فما كان أمامها إلا أن قامت بتوليدها وجاء الصبي ولكن من الشهر الثامن.
وتتابع الطبيبة: "وضعت الصبي في الحاضنة في محاولة لإنقاذ حياته لكنه مات بعد مضي ثلاثة أيام".
لم تنجب وفاء طفلا آخر، فقد سقط صاروخ بعد شهرين في دارها وأدى إلى وفاتها وبتر رجل أحد أولادها، فتحملت البنت الكبرى إيمان هم أخيها الذي أصبح معاقا بسبب بتر رجله.
تقول إيمان: "لقد اصطحبنا والدي إلى تركيا خلال فترة علاج أخي ثم عدنا إلى كفرنبل وتزوج أبي من امرأة أخرى. أعيش حاليا مع أخي وبقية عائلتي في كفرنبل ولكن يبقى هاجس الخوف يلاحقني خشية أن تتكرر مأساتنا لاسيما وأن الطيران ما زال يقصف مدينتنا مع العلم أننا غيرنا مكان سكتنا القديم".
آثار جسدية ونفسية
الطبيبة "أمل" تفيد أن الخوف يؤثر سلبا على الحامل فهو في الأشهر الأولى يسبب الإجهاض بسبب الخوف الذي يؤدي إلى ارتخاء عضلات الرحم والنزيف أما في الأشهر الأخيرة فهو يسبب تسمما حمليا ويؤدي بدوره إلى موت الجنين داخل رحم الأم، وأحيانا يسبب ارتفاع ضغط مفاجئ ويؤدي إلى نزوف داخلية إما في الدماغ أو في أجزاء أخرى من الجسم.
أما معاناة "ملك" 37 عاما، مع الخوف فهي من نوع آخر. إنها تبقى دائما في حالة قلق على ولدها الأكبر هيثم "22 عاما" الذي انضم إلى إحدى كتائب الثوار. أختها حنان تفيد أنه قد جاءهم نبأ إصابة ابن أختها هيثم فتم نقل الأم إلى المستشفى ودخلت في غيبوبة، اجتهد الأطباء لإعادتها.
الطبيب "زاهر" يقول: "ليس هناك علاج لحالات الحزن الشديدة هذه وكانت المريضة لا تكاد تصحو من غيبوبة إلا وتأتيها أخرى".
"رجاء" 50 عاما، من قرية كفر عويد غرب كفرنبل 13 كم تقول بأنها ملت حالة النزوح المتكرر بسبب الخوف من القصف المتكرر بالطيران الحربي على القرية، وتفيد بأن أعباء النزوح وتدبر أمور العيش خارج المنزل يضيف على كاهلها أثقالا أخرى إضافية، ومن ناحية ثانية تخاف على أولادها الصغار الذين بدأت تظهر لديهم مشاكل في النطق وتأتأة في الكلام فنزحت بهم إلى كفرنبل من جديد لتضعهم في مركز تعلم النطق الذي أقيم حديثا.
المرشده النفسية "فاتن" ترجع سبب انتشار التأتأة وحالات التعلق الشديدة بالأم عند الاطفال إلى الخوف من القصف المتكرر، وتشير إلى أنه يوجد 60 طفلا في المركز وأن 15% من الحالات المرضيه المتعلقة بالنطق فيه سببها الخوف .
فيما يبين الدكتور "مازن" 60 عاما، مدير أحد المشافي في معرة النعمان، بأن حالات الإجهاض ووفيات الأجنة ومشاكل أخرى تتعلق بالحمل والولادة إضافه لبعض الأمراض التي قد يكون لها علاقة بالخوف كالجلطة بأنواعها وارتفاع ضغط الدم وإصابات الكلى زادت عن السابق أي زمن ما قبل الثوره بنسبة 10% على مستوى ريف ادلب.
تكيّف مع الحرب
من جهة أخرى تؤكد "أحلام" 37 عاما، بأن حياتها طبيعية مع القصف وأنها اعتادت على سماع أصوات الصواريخ والطائرات وتضيف بأنها حملت ووضعت ابنها السنه الماضيه بكل سلام وقوة إراده فهي تقول: "لا يستطيع أن يضر أو ينفع إلا الله وحده فلم الخوف". وهي تنتقد جارتها "أم أمجد" 45 عاما، من خان شيخون التي أصبحت، بسبب الخوف، تعاني من مرض عضال وهو ارتفاع الضغط الشرياني مع تسرع في القلب. وتصرح بأنها لا تستطيع السيطرة على شعور الخوف الدائم لديها والذي يتسبب لها بحالة قلق دائم وعدم استقرار نفسي والسبب يعود لكون مدينة الخان في خط تماس مع قوات النظام في مورك شمال حماة وبالتالي فهي معرضه للقصف المتكرر حسب وصفها.
يستمر الطيران الحربي والقصف من قبل النظام، وتستمر معه ظهور الآثار النفسية والاجتماعية للأهالي. نحن اليوم أمام أجيال متفاوتة باتت تستيقظ وتنام على وقع الخوف والموت.