أخبار الآن | سوريا – درعا ( أسامة زين الدين)
هي أكبر موجة هجرة بعد الحرب العالميّة الثّانية، ما يزيد عن أربعة ملايين ونصف سوريّ هاجروا بلدهم إلى بلدان أخرى منذ بداية الثّورة، وكان القمع الوحشيّ للنّظام وتطبيقه شعار الأسد أو نحرق البلد الدّافع الأساسي لهم للبحث عن وطن جديد، بعد أن ضاق بهم وطنهم، وفقدوا أبسط مقوّمات الحياة فيه.
في مقابل ذلك شهدت سوريا في مسيرة ثورتها هجرة عكسيّة إليها من مغتربين تركوا حياة الرّغد والرفاه في أماكن إقامتهم في الخارج، وعادوا ليخدموا الثّورة من داخلها بعد أن داعبت مخيلاتهم أحلام الحريّة والكرامة التي عاشوها في الخارج، وعادوا ليساهموا في تجسيدها واقعا معاشا في بلدهم الأسير
قصص العائدين إلى الوطن
أطبّاء، مهندسون، طلّاب دراسات عليا، إعلاميّون، وفنّانون، رجالا ونساء من مختلف المحافظات السوريّة عادوا محمّلين بخبرات واسعة إليها، وانضمّوا إلى فعاليّات ثوريّة في الدّاخل، عسكريّة أو مدنية، وأكسبوا الحراك الثوري في مناطقهم زخما كبيرا، وتركوا بصمة لا تنسى.
باسل شحادة ابن حمص، خرّيج الهندسة المعلوماتية من أمريكا وطالب منحة أمريكية في الإنتاج السّينمائي عاد لبلده حمص، وعمل عدة أفلام وثائقيّة عن حمص وريفها وحراكها الثّوري ودرّب كثيرا من كوادرها الإعلاميّة، قبل أن تطاله صواريخ النظام ويستشهد.
ليلى العلواني بنت محافظة حماة وطالبة الطب في ألمانيا دعمت الثّورة إغاثيّا في الخارج، وعادت إلى الدّاخل لتعمل في المشافي الميدانيّة، واستشهدت بعد قصف أحد المواقع الطبيّة من قبل طائرات النّظام.
الدّكتور محمد العاصي من ادلب ترك عقودا مغرية للتّدريس في جامعات الخليج وعاد لينخرط بالعمل العسكريّ وإصلاح ذات البين، فكان شخصيّة عسكريّة واجتماعيّة محبّبة، واستشهد بمعارك ريف حلب الشّمالي ضد "داعش".
حملات للتّوعية وللتّشبّث بالأرض
في مواجهة الحملة غير مسبوقة للهجرة إلى الخارج، ظهرت عدة فتاوى من المجلس الإسلامي السّوريّ وشخصيّات معروفة بضرورة التّمسك بالأرض في مواجهة التغيير الدّيمغرافي الكبير الذي يطرأ على المنطقة، وضرورة الدّفاع عنها ضد الهجمة الطائفيّة المهولة، وظهرت عدّة مبادرات للتّوعية وللتّذكير بقسم الثّورة الأول، وبالشّعار الذي شهدته أغلب جدران مدن الثورة "سوف نبقى هنا".
"سارية البيطار" ناشط سوري أسّس حملة على الفيسبوك تحمل وسم "الهجرة العكسيّة"، يذكر فيها سير بعض من هؤلاء الشّباب الذين هاجروا إلى الوطن بعد تغرّبهم عنه، وينشر صورهم ويعرّف العالم بتضحياتهم، في محاولة منه للتّذكير ببطولاتهم وضرورة السّير على خطاهم، ولمواجهة خطاب التّيئيس الممنهج الذي بدأت السّاحة الثّورية الافتراضيّة تشهده.
لقيت الحملة تفاعلا كبيرا من قبل النّاشطين بعد ان وجدوا فيها تجسيدا عمليّا بعيدا عن الكّلام النّظري الذي قد تمثّله الفتاوى أو الدّعوات التي كان غالبا منشؤها من خارج الحدود
ولمهد الثورة هجرتها
كما غيرها شهدت أيضا محافظة درعا هجرة عكسيّة للعديد من مغتربيها، مثل "عبد الله الوهيبي" الذي عاد بهد أن هُجّر مع أهله إلى الخليج في أحداث الثّمانينات، والتحق بالعمل العسكري واستشهد في معرّة النّعمان، والدكتور "غسّان المصري" الذي استقرّ في الاردن ومن ثم عاد ليسهم كطبيب في المشافي الميدانيّة، وكمقاتل على الجبهات قبل أن يستشهد قنصا على يد حواجز النظام.
مدير المنطقة الحرّة الحاليّ مع الاردن المكلّف من قبل دار العدل بتسيير أمورها "أبو محمّد المسالمة"، كان أيضا مغتربا سوريا، وتاجرا في الإمارات، قبل أن يعود مع نهاية العام الثّالث للثّورة إلى الدّاخل ويساهم بتطوير إدارتها المدنية والمشاركة في فعاليّاتها الثّورية، ودعا في عدة لقاءات إلى ضرورة عودة الكوادر السّورية إلى بلدها للمساهمة في بنائها، ولتخفيف العبء عن الجيل الأوّل الذي حمل راية الثورة في بداياتها، بعد ان استنزف تماما بين شهيد وجريح ومطارد ومتشرد.