أخبار الآن | دمشق-سوريا – (يمنى الدمشقي)

"البلد ماعادت متل قبل، هالبلد مو النا"

هكذا استهل حسام حديثه لأخبار الآن مبرراً تفكيره الجدي بالهجرة من سوريا، مضيفاً أن تفكيره هذا نابع من خوفه الشديد على أبنائه الثلاثة خاصة عندما يمرون من الحواجز، مما قد يعرضهم لخطر الاعتقال، وما زاد من سوء الأوضاع أن حسام الرجل الخمسيني، كان قد فقد عمله في إصلاح السيارات على الطريق الواصل بين حيي برزة والقابون نتيجة استهدافه من قبل قوات النظام.

ولم تكن حالة حسام هي الأولى، ولا قصته الأخيرة، فالأوضاع المتردية التي بات يعيشها السوريون في الداخل صارت تدفعهم بطريقة أو بأخرى للهروب من بلدهم، مهما كلفهم هذا الأمر من صعاب، فمن جهة الأوضاع الاقتصادية في تدهور مستمر، ومن جهة أخرى انتشار البطالة وفقدان الكثير من فرص العمل بعد تهدم محلاتهم التجارية أو سيطرة قوات النظام عليها.

ولم يعد الأمر محصوراً على قوات النظام فسيطرة بعض المجموعات المتشددة "داعش" على بعض المناطق في سوريا وفرضها حصاراً من نوع آخر، حصار يشمل فرض عقيدة خاصة بهم، الأمر الذي دفع الكثر من الشباب والعائلات للهرب من مناطق داعش.

تجاوزات داعش وحلم الهجرة

يقول "عبد الهادي" وهو شاب من مدينة دير الزور لأخبار الآن، أن سيطرة داعش على قريته دفعته للتفكير بالهجرة، خاصة بعد توارد أخبار الإعدامات التي تقوم بها، والقوانين التي تفرضها، وأشار عبد الهادي أنه لم يعد يتمكن حتى من الذهاب لمحله الذي يبيع فيه الأدوات الكهربائية خشية أن تلصق به داعش إحدى التهم، واستذكر قصة جاره الذي قامت داعش باقتحام منزله في دير الزور، ثم اقتياده إلى جهة مجهولة وإعدامه بعد ثلاثة أيام دون أي تهمة توجه إليه، لكنهم بعد ذلك اكتشفوا أن هناك تشابهاً بالأسماء! ومنذ تلك اللحظة بات عبد الهادي يعزم السفر على الهجرة إلى أوروبا، فعمد إلى استدانة مبلغ ألفي دولار وتسلل من سوريا إلى تركيا ومنها إلى اليونان حتى وصل إلى ألمانيا.

أما "آفين" وهي شابة يزيدية في العشرين من عمرها، من مدينة القاملشي، تعرضت للاختطاف من قبل "داعش"، وهناك تم تهديدها وأخذها إلى الهيئة الشرعية وفرض عليها النقاب والحجاب، وأُمرت بتغيير دينها وبالفعل تلفظت بالشهادة أمامهم وتعهدت بارتداء اللباس الشرعي الكامل، لكنها سرعان ما خرجت حتى اتفقت مع أحد الشباب إلى تهريبها خارج سوريا لتتمكن بعدها من الهجرة إلى أوروبا، تقول آفين: "في تلك البلاد قد لا تتعرض للقتل أو التصفية بسبب دينك! يكفي أن تكون إنساناً".

أوروبا بوابة الحياة المستقبلية

لا يخفي الكثير من الشباب السوريون مخاوفهم من المستقبل، خاصة من لم يعد منهم يتمكن من متابعة تحصيله العلمي بسبب الخشية من ملاحقته أمنياً خاصة أبناء المناطق الثائرة، كما حدث مع معاذ الذي تعرض للاعتقال مرة بسبب كونه من مدينة دوما، وما إن أفرج عنه بعد سنة حتى وجد أنه مفصول من الجامعة وهو يدرس في كلية طب الأسنان، حاول أن يسوي وضعه مع النظام لكنه لم يتمكن من العودة إلى جامعته، وحاول أن يراسل جامعات في الخارج ليسافر للدراسة لكن بعد عام ونصف لم يجبه أحد، فوجد أن أقرب الطرق رغم خطورتها هو طريق البحر، فسافر من سوريا إلى لبنان ومنها إلى مصر، ومن هنالك انطلق برحلة إلى إيطاليا ليصل إلى هولندا ومنها سيبدأ بتعلم لغة جديدة ليبدأ حياة جديدة.

وتقف الظروف المادية المتردية جداً حاجزاً يمنع الكثير من أهالي الداخل من الهجرة، فمبلغ 3000 دولار لكل شخص، يعتبر ثروة كبيرة في ظل حالة الخناق الاقتصادي الحالي، فالكثير من العائلات يراودها هذا الحلم إلا أنها تفشل في خطو أي خطوة تجاهه نتيجة عدم امتلاكهم المبلغ المطلوب للسفر.

ولذوي إصابات الحروب دوافع أخرى للسفر، فالمشافي الميدانية على قلتها لا تستطيع أن تشرف على حالات علاجية لمصابين أو مبتوري أطراف، كما أنها لا تستطيع أن تؤمن الدواء لمن أصابتهم هذه الأمراض، فيحاول بعض المصابين أن يؤمنوا طريقاً للسفر هرباً من جحيم الحرب الذي يعيشونه.

ويزدد الوضع سوءاً عندما يكون المريض نفسياً، فشذى فتاة أصيبت بحالة من الذهان بعد ذبح أبيها أمامها في بيتها في حرستا من قبل شبيحة النظام، فباتت تتهيأ أشياء مختلفة وتتوهم أن أحداً ما سيقتلها ويذبحها بنفس الطريقة، لذلك عمدت والدتها إلى إخراجها من دمشق بعدما نزحت إليها، حتى وصلت إلى ألمانيا وبدأت بتلقي العلاج اللازم لها.

وفي السجن الكبير الذي يدعى وطناً لازال الكثيرون ينتظرون دورهم في العبور إلى بلد آخر يعترف بهم كبشر ويحافظ على حياتهم، بينما يؤثر آخرون البقاء ظانين أن لا وطن في الحياة مثل بلدهم.