أخبار الآن | دمشق – سوريا (أحمد الدمشقي)
تقدم الطلاب السوريين لامتحانات الدورة التكميلية للعام الدراسي 2014–2015 وسط أجواء الخراب المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات والتي عبثت بحياة ومستقبل كل السوريين وغيبت الآلاف منهم عن أماكنهم الطبيعية وهي مقاعد الدراسة.
فتحول هؤلاء إما إلى لاجئين في بلدان الجوار والمهجر أو محاصرين في مربعات صغيرة بالكاد يستطيع أحدهم العمل لتأمين قوته وعائلته، أو معتقلين في غياهب السجون التي تغص بمئات آلاف السوريين معظمهم من الشباب في سن التعليم، فانقطع هؤلاء إجباريا عن الدراسة لفترات متفاوتة وصلت في بعض الأحيان إلى أربع سنوات كاملة، وهو ما وصفته اليونسكو التابعة للأمم المتحدة بالوضع الكارثي.
اعتقال وامتحان
شريحة صغيرة من المعتقلين استطاعت متابعة تحصيلها العلمي عبر التقدم لامتحان الشهادات من خلال ثغرة قانونية تتيح للسجناء في السجون المركزية التقدم للامتحانات العامة. وهؤلاء هم عشرات من المعتقلين السابقين في فروع المخابرات ثم تم تحويلهم إلى سجن عدرا المركزي في العاصمة وسجون باقي المحافظات المركزية، فمنهم من كان في المدرسة ومنهم من انقطع عنها قبل اعتقاله.
تقدمت العديد من المعتقلين للحصول على الشهادات الإعدادية والثانوية وربما التقدم لاحقاً للتسجيل في أحد فروع الجامعات، ولوحظ من خلال قراءة نتائج المتقدمين من المعتقلين تسجيل معدلات نجاح عالية جداً مقارنة بنسب النجاح لطلاب المدارس العادية.
محمد شاب في التاسعة عشرة من عمره، أفرج عنه مؤخراً بعد قضاء أكثر من سنتين ونصف السنة في سجون النظام، منها السنة الأخيرة من فترة الاعتقال في سجن عدرا المركزي حيث يستطيع في هذا السجن التقدم لامتحانات الشهادة الثانوية التي كان على وشك التقدم لها قبل اعتقاله، ويتحدث أن السجناء يتقدمون للامتحانات في قاعات خاصة ووسط حراسة أمنية مشددة.
تقدم محمد بطلب لإدارة السجن وتمت الموافقة بعد التوسط من أحد الضباط ودفع رشوة له، فاستغل وقته على أكمل وجه وعمل بجد ثم دخل الامتحانات وهو مستعد كما لم يكن من قبل على حد وصفه بسبب تحضيره الممتاز.
دروب جديدة
أما عبد الرؤوف فهو طالب جامعي في كلية الحقوق في جامعة دمشق اعتقل منذ أكثر من سنة ونصف السنة، وهو مايعني احتمال فصله من الجامعة بسبب الغياب المستمر أو بسبب آرائه السياسية، لكنه وجد في تحويله إلى سجن عدرا المركزي فرصة لتحقيق حلم قديم طالما راوده وهو التسجيل في كلية الهندسة المدنية والتي لم يستطع دخولها بسبب تدني معدله العام في امتحان الثانوية.
ومن خلال اطلاعه على القانون يعرف عبد الرؤوف أنه يستطيع التقدم لامتحان الثانوي أثناء تواجده في عدرا، فسجل في امتحان الشهادة وبدأ التحضير قبل أقل من ستة أشهر.
يشرح عبد الرؤوف ظروف الدراسة في المعتقل فيقول: "كانت مناسبة للتركيز لكنها تزيد من الضجر والشعور بالعزلة، مع استمرار السجين بالشعور بأنه محروم من الحرية".
بعد التقدم للامتحان والأداء الممتاز الذي حققه، يتوقع عبد الرؤوف الحصول على معدل يستطيع من خلاله التسجيل في كلية الهندسة بسهولة، ويضيف أنه بالرغم من اعتقاله المستمر وضيق الأفق بالنسبة للسجناء إلا انه سعيد بتحقيقه لهذه النتيجة في أسوأ فترات حياته وأصعبها خلف القضبان، لكن هذه الفرحة لم ولن تكتمل قبل خروجه غير المعلوم من السجن.
ويعتبر محمد وعبد الرؤوف وأمثالهم ممن استطاعو التقدم لامتحانات الشهادات فئة محظوظة جداً لحصولهم على هذه الفرصة، فيما لا يزال الآلاف من أمثالهم يقبعون في أقبية فروع مخابرات النظام حيث يحرم المعتقل من أدنى حقوقه الأساسية ويلقى حتفه تحت التعذيب غالب الأحيان.
كل هذا يحدث متزامنا مع استمرار انهيار النظام التعليمي يومياً بخسارة الطلاب والمعلمين وتدمير المدارس بشكل يومي وممنهج، وسط تحذيرات من منظمات دولية بسيطرة الجهل والأمية على المجتمع السوري من جديد.