أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا – (أحمد الدمشقي)
أجبرت حرب النظام، السوريين على تغيير نمط حياتهم وبشكل جذري في معظم الأحيان منهم من غيرها طواعية ومنهم من أجبر على ذلك، لكن البعض فوجىء بهذا التغيير فوجد نفسه مسؤولا عن عائلة كاملة ولم يبلغ العاشرة من عمره بعد، فانضم إلى الأطفال العاملين التي تتوسع يومياً في سوريا وتقضي معها على طفولة آلآف وأحلامهم وتعليمهم.
جنوب دمشق .. حصار ومآسي
التقت أخبار الآن بالناشط "محمود الشامي" من ريف دمشق والذي روى بالتفصيل قصة أحد هؤلاء الأطفال وهو "يوسف" من أبناء دير الزور المقيمين في الحجر الأسود وتربطه بمحمود علاقة وطيدة, يقول محمود أن والد يوسف استشهد في دير الزور أثناء قتاله لقوات الأسد هناك وكان قد غادر إلى الدير في زيارة وعلق فيها فانتسب للجيش الحر وقاتل في صفوفه حتى استشهد وترك وراءه يوسف ابنه البكر بالأضافه إلى أخ وأختين والأم التي قامت برعايتهم في منزلهم في الحجر الأسود، حتى طالتها يد النظام الغادرة فاستشهدت هي الأخرى أثناء انتظارها على الدور لتأمين الخبز لأطفالها الأربعة بعد نحو عام على استشهاد زوجها، كانت صدمة عنيفة جداً ليوسف هذا الكم الهائل من المصائب لطفل في عمره فقد أباه وأمه خلال عام واحد بحسب محمود الشامي الذي أوضح أن يوسف ترك مدرسته بعد أن كان من الاطفال القلائل الذين استمروا بالدراسة في المدرسة الوحيدة الباقية في الحجر الأسود والتجأ إلى خالته، برفقة إخوته في بلدة يلدا واتجه إلى العمل فوراً بسبب ضيق الحال والفقر المدقع التي تعيشة مناطق الجنوب، في ظل حصار خانق فرض على تلك المناطق منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
البحث عن مصدر الرزق ..
بدأ يوسف العمل في جمع البلاستيك والنايلون والمواد المستخدمة في استخراج الوقود بالطرق البدائية وهي الصناعة التي ازدهرت في معظم المناطق المحاصرة بعد اكتشاف عدة طرق لاستخراج الوقود من بقايا البلاستيك بسبب فرض حظر من قبل قوات الأسد على دخول المحروقات إلى المناطق المحاصرة وحتى المهادنة لكن العمل في هذا المجال متعب ومضنٍ جداً خاصة بعد استهلاك معظم البلاستيك الموجود وعمل عشرات الأطفال بنفس المجال بحسب الشامي، واتجه يوسف بعد ذلك للعمل في نقل المياه حملاً على الظهر والأكتاف، تلك المهنة التي ازدهرت بعد قطع المياه بشكل كامل عن جنوب دمشق وانتشار الامراض والأوبئة جراء اعتماد الأهالي على المياه الجوفية الملوثة، وهو ما دفعهم إلى التوجه يومياً لبعض مناطق المخيم والقدم التي لاتزال تضخ إليها كميات قليلة من المياه يومياً أو شراء تلك المياه ممن يقوم بنقلها، كالطفل يوسف.
ويقوم يوسف يومياً بقطع تلك المسافة سيراً على الأقدام فينقل أولاً حاجته وإخوته وخالته ومن ثم يعود لنقل حمولات أخرى لبيعها والاستفادة من ثمنها في إعالة عائلته التي تعتمد كليا على عمل يوسف المتواضع بالإضافة إلى المساعدات الشحيحة التي يستلمها من المكاتب الاغاثية في يلدا، التي وقعت على هدنة مع النظام وهو أحد الأسباب التي دفعت يوسف للانتقال للعيش فيها، اذا تعاني الحجر الأسود من استمرار الحصار ومنع دخول المساعدات بسبب سيطرة داعش عليها وهو ما ينعكس سلباً على حياة الأهالي المدنيين دون غيرهم ويواظب يوسف على حياته التي أجبر عليها دون تذمر، مواجهاً المسؤولية التي ألقيت على كتفية وهو في عمر الطفولة. وعند سؤاله عن والديه يجيب "الله يرحمهم ويتقبلهم اشتقنا لهم أنا وإخوتي لكنهم لن يعودوا" وكأنه غير مدرك لخسارته وإخوته لوالديهم في سن مبكرة جداً، خاصة عندما تلاحظ صلابته أثناء حديثه ولكنه لايزال يعود ويحاول عيش بعض ثنايا طفولته أثناء زيارته الدورية لأصدقائه وأبناء جيرانه في حي الحجر الأسود حيث نشأ وترعرع.
يتوجه يوسف مشيا على الاقدام الى حارته القديمة بعد أن ينهي عمله وجل ما يتمناه يوسف اليوم هو فتح الطرقات بشكل كامل وإدخال الطعام والشراب والخبز الذي أصبح كالحلم في المناطق المحاصرة ومن ثم ربما العودة لمقاعد الدراسة "بلكي منرتاح شوي من الشغل" يقولها يوسف وكأنه قد بلغ الأربعين من عمره !
الآباء الصغار ..
هنالك في سوريا الآلاف من أمثال يوسف كالطفل الحلبي بائع البسكويت والذي فقد والديه هو الأخر فاتجه للعمل كبائع متجول لإعالة أخوته لكن برميلاً متفجراً قضى على حياته أثناء عمله فتيتم إخوته بذلك مرتين، ومثلهم كثير في ظل استمرار حملات التدمير الممنهج التي يقودها بشار الأسد على مناطق المعارضة، والتي يرافقها قصف بمختلف انواع الأسلحة ذات القدرة التدميرية العالية جداً كالبراميل المتفجرة والطيران الحربي، وهو ما يرفع عدد الضحايا بشكل مستمر ومع سقوط كل قذيفة وخطفها لحياة عدد من الضحايا ييتم العشرات من أمثال يوسف الذي ينتمي لعائلة فقيرة في جنوب دمشق تلك المنطقة العشوائية التي تعاني منذ ماقبل الثورة من الفقر وقلة فرص العمل والتهميش وبعد انطلاق الثورة وانضمامها لركبها، والتي انتقم منها الأسد بتجويعها وقطع كل وسائل الحياة عنها فشرد من شرد من أهلها وقتل من قتل واعتقل من اعتقل ويتم من يتم كيوسف الطفل البريء الذي تحذر منظمات الامم المتحدة ليلاً نهاراً من استغلاله وأبناء جيله وتدعو لتحيدهم عن القتال وعدم تجنيدهم ومساعدتهم بشتى الوسائل فيما تقتصر تلك الدعوات على الاستهلاك الإعلامي اليومي دون أي خطوات ملموسة تساعد على توفير حياة أمنه لهؤلاء على أقل تقدير.