أخبار الآن | دمشق – سوريا – (آية الحسن)
لم يتساءل قبل ذلك أحد عن شكل علاقات الزواج وتقاليده وتكاليفه في ظل تفاقم الأوضاع في العاصمة السورية دمشق. لكن نظرة متفحصة ترشدنا إلى تغييرات واضحة في هيكلية العادات والتقاليد المعهودة في هذا الحدث الاجتماعي.
يحتفي أهالي دمشق عموما بمراسم الخطبة والزواج، فلهذا الطقس تقاليد معروفة قضت الأوضاع الأمنية والمعيشية عليها تقريبا. وفي ظل رغبة العائلات بتزويج أولادهم، اضطروا إلى تجاوز تفاصيل رئيسية في تلك المراسم الاجتماعية.
شهدت الشهور الماضية انخفاضا كبيرا في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار وهو ما أثر في ارتفاع أسعار متطلبات الحياة اليومية.
وتأثرت بالمقابل أسعار الذهب وإيجارات البيوت وكذلك الألبسة، وهو ما شكل عقبة كابحة أمام مشاريع الزواج. ناهيك عن صعوبة إقامة الحفلات وغلاء حجز الصالات في حال الرغبة بذلك.
"شادي" عامل في مطعم وسط دمشق، أقدم على خطبة فتاة من الحي الذي يسكن فيه، يقول: "أصبح سعر خاتم الخطبة حوالي 50 ألف ليرة سورية، اتفقتنا أنا وخطيبتي على شراء خاتمين من الفضة والعيش في غرفة مع أهلي. نريد أن نعيش ببساطة دون تعقيدات الحياة. ويجب على كل فتاة وأهلها أن يراعوا ظروف الشباب الصعبة".
أما "عمار" الموظف في وزارة الصحة فيرى أن مشاريع الزواج يجب أن تتخلى عن المظاهر المعروفة من احتفالات وشراء الذهب وغيره: "أبحث كما كل الشباب عن شريكة حياتي التي تقدر ظروف البلد اليوم وعدم مقدرتنا على التكاليف الهائلة كما كانت سابقا".
حلول ومرونة ..
لم يجد الأهالي والشباب كذلك من طريق سوى كسب الاستقرار النسبي، فتم الاستغناء عن الحفلات الصاخبة وانخفضت متطلبات شراء الذهب وتجهيز العروس مقابل وجود رغبة بإنشاء أسرة لدى الطرفين المقدمين على الزواج.
"أم ياسر" من النازحين في منطقة الزاهرة الجديدة جنوب دمشق، قامت بتزويج ابنتيها دون متطلبات كثيرة. كان يكفي وجود غرفة تستر عليهما، كما تقول، لتطمئن إلى حياتهما مع شابين على درجة جيدة من الأخلاق.
وبعد أن كان السؤال عن الوضع الاقتصادي للشاب، بات السؤال الملح هو عدم تعرضه للملاحقات الأمنية والتزامه بعمل يومي يعيل به زوجته.
"ليلى" فتاة في التاسعة عشرة من عمرها في منطقة التضامن جنوب العاصمة، تزوجت منذ شهرين من عامل حدادة، تقول: "ماذا يفيد طلب الذهب وشراء الملابس، وافقت على الزواج لأن الشاب خلوق وملتزم بعمله، ونحن لا نخرج كثيرا ولا أحتاج إلى الذهب كي أستعرض بلبسه أمام الناس الفقراء مثلنا جميعا".
على الجانب الآخر، تبدو تخطيطات الشباب والفتيات في الجامعة أبعد من ذلك، فالمرتبطون بعلاقة حب ومتفقون على الزواج اختاروا طريق تأجيل الموضوع ريثما تتوضح ما تسفر عنه الأيام القادمة.
"وسيم" و"هبة" طالبان في السنة الأخيرة في كلية الإعلام، اختارا إخبار ذويهما برغبتهما بالزواج لكنهما لم يتخذا القرار بعد، بسبب: "مفاجآت الأيام القادمة. ربما تكون هناك فرصة لمنحة دراسية خارجية، عندها يستطيع أحدنا أن يرسل في طلب الآخر".
والموت .. مكلف أيضا
تأثرت أيضا حالات الموت والعزاء. وبعد أن كان يدفن الفقيد من دون حسابات شائكة، بات على أصحاب العزاء البحث عن مقابر جديدة لا تكلف كثيرا من المال ويستطيعون إن أرادوا الذهاب إليها لزيارة القبر.
"أم مجد" توفيت أمها ولم تجد سبيلا إلى مقبرة "كفرسوسة" الجديدة لدفنها: "التكاليف رخيصة جدا، وبعد المقبرة عن البيت يُحتمل مقابل أسعار القبور المرتفعة في مقابر المنطقة "حي الحقلة في منطقة الميدان".
لا يتوقف الموضوع عند مراسم الدفن، بل تعداه إلى طقوس العزاء التي تم اقتصار الأمر فيها على التعزية داخل البيت دون وجود خيمة عزاء والتكاليف المرتبطة فيها.
ماذا بقى من صبر عند السوريين أكثر من ذلك ليعاندوا الحياة وهم مستمرون على كسر صعوبتها ومصرون على ممارسة حياتهم رغم القهر اليومي من النظام وما يسفر عنه من تضييق على ساعاتهم اليومية.