أخبار الآن | غازي عينتاب – تركيا – (سيف الدين محمد)
تضررت مجموعات كبيرة من طلاب الجامعات السورية بحيث يمكن القول إن الجيل الذي كان يُعوَّل عليه في تكريس نمط أكاديمي جديد قد دخل في طريق الخيارات الصعبة لما لحق به من أذى لم يكن الجانب الجسدي هو الأسوأ فيه.
مفترق طرق ..
وجد الطلاب السوريون أنفسهم مضطرين إلى اختيار طريق الصمت والانصياع لخطاب الجامعة حول الثورة السورية، المتوافق مع الخطاب الرسمي. ومع تحول الجامعات إلى ما يشبه الفروع الأمنية وتحول كثير من الأكاديميين، مدرسين وطلابًا وموظفين، إلى مخبرين ورجال أمن، بات عليهم الاختيار الجديد بين الموقف السلبي أو الاعتقال أو الطرد في معظم الأحيان.
وتضررت فئة طلاب الدراسات العليا (طلاب درجتي الماجستير والدكتوراه) بشكل أكبر من نظرائهم في السنوات الجامعية الأولى. إذ بات حصول الطالب على الدرجة العلمية المطلوبة مرهونا بمدى قربه أو بعده من النظام والثورة وكذا الأمر فيما يتعلق بالمشرف الأكاديمي ولجان التحكيم ذات المستوى العلمي المتدني وغير النزيه علميا وأخلاقيا.
اضطر الكثير من الطلاب إلى الهرب خارج سورية، واعتقل البعض الآخر منهم قبل الخروج أيضا. ومن لم يغامر "بالهرب" سلك إما طريق السكوت قسرا أو الركوب على موجة إرضاء إدارة الجامعة.
كثير من الطلاب اليوم خارج سورية أمام مفترق طرق في خياراتهم الحياتية والعلمية. فقد استقبلت دول اللجوء المحيطة مجموعة كبيرة من طلاب الاختصاصات العلمية على اختلافها.
طلابنا في اللجوء ..
في تركيا، في مدينة غازي عنتاب تحديدا، تجد مجموعة من طلاب جامعتي دمشق وحلب ممن نالوا درجة الماجستير أو لم يحصلوا عليها بعد، واضطرتهم ظروف الملاحقة الأمنية إلى الخروج من سورية.
"محمد" حاصل على درجة الماجستير في علم الاجتماع من جامعة دمشق، اعتقل مرتين لأيام معدودة: "بات علي الهرب بكل معنى الكلمة، أثناء مناقشة الماجستير تحاملت اللجنة كثيرا عليّ، وتم الطعن في تربيتي "الخائنة" لأنني اعتقلت وبالتالي حُسبت على التيار المعارض للنظام. حصلت على درجة الماجستير وخرجت بعد اعتقالي لمدة 22 يوما".
لم يجرب محمد التقدم لنيل درجة الدكتوراه، فالاعتقال الثاني والتربص بتحركاته فرض عليه اللحاق برفاقه خارج البلاد.
محمد اليوم في غازي عينتاب التركية يعمل مع إحدى منظمات المجتمع المدني مفضلا البقاء هنا بانتظار العودة مستقبلا إلى سورية، كما يقول.
لا تتشابه حالة محمد مع حال كثير من أقرانه هنا، فمن وجد عملا في اختصاصه استقر تفكيره في التخطيط للمرحلة القادمة، وهذا ما حصل مع "رنا" التي تعمل في منظمة إنسانية في مدينة أنطاكية، وهي بدورها حاصلة على درجة الماجستير.
"إياد" و"ناصر" اختلفت ظروفهما تماما، فبعد وصولهما إلى تركيا، لم يجدا خلال خمسة شهور أي عمل في تخصصهما أو أي عمل آخر لافتقادهم مهارات العمل الحرفي. وبعد حسابات كثيرة قررا الهجرة إلى أوربا والسير في درب اللجوء البري عن طريق اليونان وصولا إلى أوربا.
إياد وناصر في مدينة إزمير التركية استعدادا للهروب بحرا.
لا يقتصر الأمر على تخصص علمي دون الآخر في اتخاذ قرار البقاء أو الهجرة، إذ تكاد تكون تركيا بالنسبة لجيش كبير من الطلاب الطامحين لتحقيق ذواتهم وكأنها محطة عبور مؤقتة.
"سليم" ينتظر منحة من جامعة ألمانية إكمال دراسته في الإخراج السينمائي، وكذلك الأمر مع "لبنى" و"ياسر" اللذين ينتظران قرار اللجوء في فرنسا والالتحاق بالدراسة في اختصاص العلوم المسرحية.
من اختار طريق آخر غير التقديم للجوء والجامعات، يجد صعوبة اليوم في إجراءات التقدم للدرجات العليا في تركيا في ظل بعض الشروط الصعبة وتقصير وزارة التربية في الحكومة المؤقتة هنا في تركيا، والتي تسجل حالة من شبه الغياب عن مشكلات الطلاب اللاجئين وتعيد إنتاج آليات مؤسسات النظام التعليمية بامتياز.
تغيير المسارات ..
بعض الطلاب اختاروا طريق العمل دون الدخول في حسابات المستقبل العلمي، بفعل ظروف حياتهم وارتباطهم بمسؤولية أسرهم عموما.
"عمر" طالب الماجستير المنقطع، اختار العمل مدرسا في مدرسة سورية براتب قليل، ويعمل بشكل حر في تلبية طلبات الطعام "الحلبي" الذي يقوم بطبخه حسب عروض الطلب: "لا أملك ترف التفكير في مستقبلي العلمي، لقد كنت أحضر لمناقشة رسالتي، الآن علي تأمين تكاليف المعيشة اليومية لأسرتي. ربما الأيام القادمة تحمل تغييرات أستفيد منها، وربما لا".
أما "جمانة" فقد فضلت خيار الزواج والعمل في إقليم كردستان العراق خشية الدخول في متاهات من سبقوها. تقول: "جئت إلى تركيا في زيارة لأبحث عن إمكانية إكمال الدكتوراه، لا يزال حلم جيلي هو تصحيح مسار التعليم العالي في سورية".
"مفترق طريق" هو العنوان الأبرز لحال أولئك الطلاب، وهم بذلك يتشابهون مع مصائر أقرانهم من الموظفين وأصحاب المهن أو أي مجموعة كانت لها تصورات محددة وواضحة عن مستقبلها في سورية قبل موجة الشتات.