أخبار الآن | عنتاب – تركيا – (سيف الدين محمد)
يتوالى الهبوط المفرط للدراما السورية كلما تقادم عمر الثورة وتشعبت، ولا يزال جمهور الفن السوري يشهد السقوط المتتالي لمقولات الفن كحرفة وخطاب أخلاقي على السواء.
كان الفن على الدوام أحد أوجه الأذرع الإعلامية في زمن الحروب والأزمات، لكنه أيضا كان وجها للمقاومة والنقد والإبداع في شرط غياب الحرية والديمقراطية، كفعل مقاوم بامتياز.
دراما داخلية سورية ..
فإنه ربما لا يعرف المتابع تلك الشبكة الهائلة التي تقوم بعملية إنتاج المسلسلات التلفزيونية والتوجهات الدعائية من خلفها. لكنه بمجرد متابعة الدراما السورية فإنه سيتنبأ بخفايا تلك الأمور.
طُرحت هذا العام عشرات المسلسلات السورية متنوعة بين دراما وكوميديا وتراجيديا وغيرها، ويلفت الانتباه تنفيذ دراما خارج سورية لم تكن موضوعاتها بالضرورة حال المجتمع السوري والثورة والأزمة، وإن لم يخل بعضها من ذلك.
مسلسل "في انتظار الياسمين" يقوم به جملة من الفنانين الموالين للنظام والذين قام بعضهم بالتشبيح علنا، مثل غسان مسعود وسلاف فواخرجي وزهير رمضان. تدور أحداث المسلسل في مخيمات اللجوء بطريقة لا تقارب الأسباب الحقيقية للجوء من خلال مجموعة من الشخصيات الانتهازية وعرض المشكلات داخل مخيم "مجهول" بإحالة كل المشكلات إلى جهات ضبابية مع بكاء ونواح وشعارات سقف الوطن على غرار مقولات الموالين.
أما "شهر زمان" فيتناول الأزمة السورية من خلال تسليط الضوء على تجار الحروب والعلاقات الاجتماعية المشوهة التي أدت إلى الأزمة!! دون التطرق إلى النظام المسبب لكل الخراب الذي أصاب البلد، مع تلميع لصورة الجهات الأمنية.
ويفاجئنا مسلسل "صرخة روح" بنمط منفلت من العلاقات الاجتماعية دون أن نعرف أن أحداث العمل تجري في دمشق، فما يشغل بال الشخصيات هو الخيانات الزوجية والسعي وراء الشهرة.
أما مسلسل "عناية مشددة" فيختصر الثورة السورية ونتائجها إلى ظهور مجموعة عصابات مهمتها الخطف والابتزاز، مع شخصيات ضاعت بوصلتها في "زمن الأزمة"، وكأن مشكلة المواطن السوري باتت في الثورة السورية وليس في تدجينه طوال السنوات السابقة عن 2011.
ناهيك عن دراما التاريخ الاجتماعي السوري مثل "باب الحارة" في الجزء السابع و"حرائر" الذي يحيل في خطابه إلى أن الحرائر هن زمن الاحتلال العثماني ولسن حرائر الثورة السورية.
أما الكوميديا فقد سقطت في فخ الفكاهات الباهتة، إما في إدراج "النكتة" المستهلكة كما في مسلسل "فشة خلق" أو في بعض الانتقادات التي باتت سخيفة مثل انقطاع الكهرباء أو السخرية من المواطن السوري والجيش الحر وكتائب الثوار بطريقة مسفّة كما ظهر في السلسلة الشهيرة "بقعة ضوء" في نسخته الحادية عشرة.
دراما سورية .. خارجية
ارتهنت الدراما السورية خارج البلد إلى مزاج وطلبات شركات الإنتاج المختلفة، فكانت النتيجة أن ظهرت مجموعة مسلسلات فاقدة للهوية السورية في موضوعاتها وخطابها. يبرز مسلسل "العرّاب" في نسختيه، فقد قدمته شركتان للإنتاج اتفقت مع طواقم سورية(حاتم علي والمثنى صبح). المسلسل مأخوذ من أحد أشهر الأفلام الأمريكية لمخرجه الشهير "كوبولا"(حائز على جائزتي أوسكار) ورواية الإيطالي "ماريو بوزو". لم يقدم العملان حتى الآن سوى تعريب للقصة الشهيرة مع فارق أن الرواية والفيلم كانا معنيان بتاريخ المافيا الإيطالية وانتقالها إلى الولايات المتحدة، بينما المسلسلان السوريان كانا خارج الزمان والمكان.
وفي سياق آخر، ظهرت عدة أعمال نقدية حُسبت على التيار المعارض للنظام. منها ما هو تلفزيوني ومنها إذاعي.
ويبرز بشكل خاص مسلسل "وجوه وأماكن" الذي يقول مخرجه "هيثم حقي" أن مضمونه هو الثورة السورية والتغير الاجتماعي الناتج عنها. يقدم المسلسل ثلاثة قصص، كل قصة موزعة على عشر حلقات، تتناول الشخصية السورية بتعددها واختلافاتها ومواقفها منذ قيام الثورة السورية حتى الوقت الحالي من عمر الثورة.
نلامس في هذا العمل موضوع الثورة بشكل حقيقي ومباشر بعد أن صُدرت في الأعمال الأخرى على أنها أزمة ناتجة عن مجموعة عصابات وخونة.
عن دراما رمضان 2015، يحدثنا الناقد "ياسر المأمون":"لم تخرج الدراما السورية عما سلكته خلال السنوات السابقة، فقد دارت في فلك الموضوعات التي سطحت مشكلات المواطن السوري، لاسيما زمن الثورة. فكان هذا نعي لها ولوجودها. ولم يُستثن من ذلك إلا بعض الأعمال في جزء منها".
الآن، وبعد مرور أكثر من نصف شهر رمضان لا يبدو أن الفن السوري استطاع أن يقارب الوجع والحلم السوري على السواء، ليسقط من حسابات سورية القادمة معلنا نهايته الفنية بانتظار نهاية النظام سياسيا وعسكريا.