أخبار الآن | عنتاب – تركيا – (سيف الدين محمد)

على مر التاريخ، والحروب التي شهدها، تحملت المرأة القدر الأكبر من الخسارة على إثر الحرب وتبعهاتها، إذ تجد المرأة نفسها، على اختلاف موقعها في الأسرة، أمام معاناة جديدة وتحديات مختلفة عن دورها الحيوي في الأسرة والمجتمع أوقات السلم. ووضع المرأة السورية في الحرب الحالية شاهد حي، يوثق لتغير الأدوار الأسرية والمسؤوليات المناطة بكل فرد فيها على إثر التشتت والضياع الناجم عن الأزمة السورية.

المرأة المناضلة ..

عملت المرأة السورية، الأم هنا بشكل خاص، اللاجئة في تركيا ضمن مهن متعددة لم تزاولها سابقا، فقد وجدت الأسرة السورية نفسها أمام صعوبات تأمين القوت اليومي والبحث عن سبل الحياة الكريمة، في حدها الأدنى، لاسيما مع غياب معيل الأسرة من أب أو ابن بسبب ظروف الحرب من قتل واعتقال واختفاء.

ولا تختلف هنا حالة السيدة "أم فارس" الحلبية التركمانية، التي غادرت حلب منذ أربع سنوات الى  مدينة غازي عنتاب التركية. تقوم أم فارس، القادمة من منطقة السريان الجديدة في مدينة حلب، بإعالة أسرة مكونة من زوج عاجز بسبب مرض نفسي أصابه جرّاء تغيرات ظروفه زمن الحرب، وخمسة أبناء.

 تقول أم فارس "أصابت زوجي حالة اكتئاب ثنائية القطب ادت لعجزه، وهو يخضع للعلاج منذ بداية اللجوء إلى تركيا، بينما يدرس ابني الأكبر في جامعة ملاطيا بموجب منحة تركية لا تكفيه، وأرعى أربعة أطفال صغار".

تعمل أم فارس "دلّالا" عقاريا للسوريين الذين يريدون استئجار البيوت، مستعينة بعلاقاتها مع المكاتب العقارية التركية في عنتاب، مستفيدة من إتقانها للغة التركية، التي تتحدث بها بطلاقة بسبب أصولها التركمانية.

الرحلة اليومية ..

يبدأ عمل أم فارس صباحا مع اتصالاتٍ من الباحثين عن المنازل من السوريين في مدينة عنتاب التي  اضحت من أكبر تجمعات السوريين في تركيا.

 تقول أم فارس "طبيعة عملي تفيدني وتفيد السوريين أيضاً، فمهنة السمسرة أساء الكثيرون اليها، أما أنا فآخذ مبالغ قليلة لقاء البحث عن منزل مناسب، ولا يتعرض المستأجر في ذات الوقت لاستغلال السماسرة الآخرين، أريد أن تعيش أسرتي بكرامة، وأن أساعد ابني الذي يدرس في الجامعة"

وخلال مرافقتها لمدة ثلاث ساعات مشيا في شوارع عنتاب تبدو أم فارس امرأة من زمن البطولات، فهي قوية البنية وسحة الملامح، تجذب الزبائن بسمعتها المعروفة  عن إرشادهم لأفضل  أفضل المناطق وأرخصها كي لا يقعوا في شرك عمليات "النصب والاحتيال"، فكل شاب أو أسرة أُجبرت على اللجوء تحتاج إلى من يرشدها إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع حياة اللجوء الجديدة، على حد قولها.

عائلة دفعت ثمن ثورتها ..

شاركت أسرة أم فارس في الثورة السورية منذ بدايتها، فزوجها المهندس فُصل من عمله بسبب وقوفه إلى جانب الثورة، وأخيها قتل في المعارك ضد قوات النظام، وابن أخيها يقبع في سجن عدرا منذ سنتين بعد أن كان معتقلا في أحد الفروع الأمنية. ورغم الأسى الذي عانته والنزوح إلا أنها تقول "لا زلت أؤمن بالثورة وبضرورة التخلص من النظام رغم أن هناك الكثير ممن ركب على الثورة واستفاد منها وهرب بأمواله إلى هنا ويستغل السوريين".

أم فارس، فارسة عنتاب، تواصل عملها اليومي الشاق بابتسامة ورباطة جأش يجعل المرء يرفع قبعة الاحترام للمرأة السورية التي لم تخضعها ظروف الحرب ولم تثنها عن مواصلة مهمتها في تربية أبنائها ورعاية أسرتها، لعلّ الفرج بالنصر يكون قريبا حاملا معه بشارة العودة إلى الوطن.