أخبار الآن | غوتنبيرغ – السويد – (سوسن عدنان أحمد)
تحت عنوان أبراج الصمت أُقيم مؤخرا في مدينة غوتنبيرغ السويدية معرضا للتصوير الضوئي للفنان الفلسطيني/السوري فادي خطاب.
المعرض يوثق بالصورة أحداث الثورة السورية والشهداء الذين سقطوا دفاعا عن ثورة الحرية والكرامة. جذب المعرض زوارا من الجالية السورية والفلسطينية والعربية عموما فضلا عن السويديين، وكان مناسبة لتصدير أحداث الثورة عن طريق الفن للمواطن الغربي دون تأثير وسائل الإعلام على معرفته لما يحدث في سورية.
أخبار الآن أجرت الحوار التالي مع الفنان، لتتعرف على المعرض وتأثيره وتوضح تصورات الفنان حول الثورة السورية ودور الفن في توضيح تضحيات الشعب السوري.
تختزل الصورة المواقف الحياتية المختلفة، كيف أصبحت فوتوغرافيا؟، وهل يمكن الاعتماد على الصورة كبديل إعلامي ولغوي؟
ورثت فن التصوير عن عمي الذي استشهد أثناء التقاطه صورا في حرب لبنان، وكانت لقطته الأخيرة للطائرة التي قصفته. تلك اللحظة كانت فاصلة وأرختْ بظلالها على رؤيتي. باتت عدستي هويتي فقد التصقت بعدستي لعنة الموت، ذلك الموت الذي أورثني هذه الهوية بعد استشهاد عمي. اليوم أعتبر نفسي حاملا لعبء ثورتين، إن عدم استقراري وحصولي على اللجوء حتى اللحظة يدفعني إلى توضيح فلسفتي عن الحياة من خلال صور مهمتها ترجمة كل حالات الحب والخوف والموت والصداقة والتعب التي يصعب على اللغة أحيانا توضيحها.
تجمعني علاقة حميمة مع التصوير والموت، أو ربما هكذا أحدث نفسي. الصورة لدي إحساس يومي بالحياة، الفرح والجوع والحزن، هي حالة تكثيف لكل ذلك وما سواه وما يعجز الحرف عن نيله فينسكب المشهد/اللحظة في بوتقة تفيض بها الذاكرة والصدى،.
مؤخرا كان لديك معرضا للصور هل لك أن تحدثنا عنه؟
لم يكن معرض أبراج الصمت حدثا عاديا للسوريين والفلسطينيين. فقد وصلتني انطباعات أنهم حضروا هنا ليبحثوا عن وجوه أولادهم وأهلهم وأصدقائهم. لقد كانت لحظات نادرة، كان المعرض جمعا لكثير من اللاجئين الذين لم يلتقوا منذ بداية الثورة، ليس في السويد فقط، بل من كافة أنحاء أوربا. أما بالنسبة للأوربيين فقد كان التفاعل مهما جدا، فهم معتادون على التضامن والتعاطف لكنهم محكومين بما يريد إعلامهم إيصاله لهم. لكن الحالة كانت هذه المرة مختلفة، لقد كانت الصورة صادمة.
فادي المندمج في الثورة السورية، ما هو مدى تأثير الثورة على رؤيتك الفنية؟
أنا مصور صحفي يحركني الفضول ونزعة المغامرة وعندي مسؤولية مهنية وأخلاقية تجاه الحدث بشكل عام، والحدث السوري بشكل خاص. الصور التي التقطتها هي قصص إنسانية وابتسامات شهداء، هي حياة وحب ودراسة وعشق وحبيبة انتظرت وعاد حبيبها مستشهدا، كل هذا لأن هناك دكتاتورا ساقطا قرر إحراق البلد وعدم التخلي عن السلطة. أثرت الثورة السورية في رؤيتي الفنية بشكل كبير، كان علي أن أوثق مشاعر الموت اليومية في سورية وحلم الحرية اليومي.
فادي، ماذا يعني لك أن تكون فلسطينيا/ سوريا؟
يعني لي الكثير، فأنا ابن الثورتين الفلسطينية والسورية، وكان من الصعب أن أكون حياديا مع الثورة ومجرياتها لأنني ابن قضية إضافة لكوني جزءا من نسيج المجتمع السوري. كانت الكاميرا جزءا من الموقف ومن آلامنا، هذه العدسة التي وثقت فرحنا وضحكات شبابنا هي نفسها التي وثقت استشهادهم في سبيل حرية سورية. كفنان أيضا كان يفترض بي الحياد، ولكن الحدث كان أكبر من الحرفة الفنية بعد فقدان شبان كثر بينهم أصدقاء، فأصبحت اللقطة حالة فقد وثورة.
هل استطاعت الصور أن تنقل الصورة السورية إلى العالم وتؤثر فيه؟
أنا اليوم أعتبر نفسي كشخص جزءا من الحدث والوجع السوري، ما فعلته كفنان هو أنني وضعت أمام الرأي العام الأوربي الواقع كما هو، ليروا ما يحدث في سورية كحالة حقيقية.
في السابق كان أهالينا يتعاملون مع الشهداء والموت بمراسم كرنفالية، كانوا لا يقبلون التعازي ويهنئون بعضهم بالشهداء الراحلين، ينثرون الورد والأرز والعطور والحلويات على جثامين الشهداء. ذلك الصخب تحوّل اليوم إلى ترف لا يلقاه الشهداء، هؤلاء هم شهداء التعذيب في سجون النظام الأسدي، هذه الأجساد لم تحظ بترف مراسم الدفن، تحولت من أشخاص بتفاصيل يومية إلى صور .. هل أصرخ أكثر ليسمعني العالم ..!!
وختم فادي خطاب كلماته: معرض أبراج الصمت قد يكون الأخير، هو قصة موت معلن، لقطات تشييع الشهداء وبيت مؤثث من الألم لمعنى الوجود والبحث عن وطن.