أخبار الآن | دمشق – سورية – (آية الحسن)
لم يعد خافياً على أحد التشديد الأمني الذي تقوم به كافة مؤسسات النظام من وزارات ومديريات وأقسام بمختلف مجالاتها، فمن المؤسسات الخدمية التي تُعنى بالشؤون الاجتماعية إلى الهيئات الثقافية حتى الجامعات والمعاهد الحكومية ويطول التعداد حتى نصل إلى سائق النقل الداخلي في الشوارع والبقّال في الحيّ. كل هذه الجهات حولها الأسد لأفرع مخابراتية تعمل تحت خدمته للإيقاع بالمعارضين.
تقارير .. واعتقالات
كتابة التقرير الأمني أمر صغير جداً لا يحتمل منك الكثير من الوقت والجهد، حيث يمكنك التبليغ عن من تشتبه به وتتهمه بالتعامل مع الثوار، أو التواصل مع جهات أجنبية، أو الحصول على التمويل الخارجي، وطبعا إهانة الشعور القومي وشخص الرئيس والكثير من الإتهامات التي من شأنها أن تبعث به إلى أقبية الفروع الأمنية ليبقى في الظلام شهوراً لا نهاية لها.
هذا حال أعداد هائلة من المعتقلين الموظفين في النظام والذين لم تشفع لهم وظيفتهم من الدخول في هذا السرداب المظلم. من رجال ونساء وشباب كتبت فيهم التقارير الاستخباراتية وغيبتهم.
يخبرنا الشاب "أ. م" العامل في قسم الموارد البشرية في إحدى وزارات النظام، بأن:(أكثر من خمسة آلاف معتقل موظف مثبت لدى النظام منذ سنتين والأسباب هي التقارير التي يصوغها العملاء من زملائهم الموظفين، كلها كتب وطلبات دونت منذ سنوات وآخرها منذ شهر، حيث يدون اسم الموظف المعتقل ومكان تواجده إذا عُرف، ويترك بدون رقم متروك لمصيره. وهذا حال كل الموظفين المعتقلين في دوائر الدولة).
"أحمد. س" رئيس قسم الكهرباء في إحدى وزارات النظام، وقد فضل ذويه عدم ذكر اسمها تجنباً لوقوعهم بالمشاكل، ذهب ضحية إحدى هذه التقارير التي كتبتها فيه إحدى الزميلات الموظفات معه في الوزارة والتي تعمل لصالح الأمن وتسرب لهم التفاصيل عن من تشكّ بولاءه للأسد.
"عبد الحكيم. ر" من مدينة درعا، موظف إداري في رئاسة جامعة دمشق لا يزال قابعا في المعتقل منذ سنة تقريبا بسبب تقرير من رئيسته في القسم، وهي من الطائفة العلوية، بأنه يدخل مساعدات إلى الإرهابيين في مخيم اليرموك والحجر الأسود.
تحت المراقبة ..
الكارثة الكبرى هي أن أبناء المناطق المحررة من الموظفين المقيمين في دمشق هم دائماً تحت المراقبة وتثار حولهم الشبهات، ويشك في أمرهم ويشار إليهم بأصابع الاتهام. كما هو حال "أبو محمد" رجل أربعيني من جسر الشغور، يعمل مستخدم في محافظة دمشق تم اقتياده من عمله إلى أمن الدولة والتحقيق معه إذا كان يعرف بعض أسماء الثوار في بلدته، مما اضطره لاختراع اعتراف تحت الضرب والإهانة. وحتى الآن لا تعرف عنه عائلته أي خبر.
وهو حال "أمل" موظفة في شركة سيرتيل، لصاحبها رامي مخلوف، تعرضت للضرب من قبل أحد المراجعين وقد كان مساعد أول في الجيش، والسبب أنها لم تستطع أن تعيد تفعيل خطه منتهي الصلاحية، وكما روت شقيقتها لنا، فبعد أن قام بصفعها بدأ يصرخ في صالة الاستقبال أمام جميع المراجعين والموظفين بأنها رفضت أن تساعده لأنه عسكري وهذا يعني أنها "إرهابية" كما كان يدعي، عائلة أمل اليوم لاتعرف عنها شيئاً.
وهذا أيضاً حال أحد الأطباء في مشفى دمشق (المعروف باسم مشفى المجتهد) الذي لم تشفع له مهنته الإنسانية وأمانته المهنية، عندما أدخل لغرفة التحقيق في فرع فلسطين واقتيد بعدها إلى مشفى تشرين العسكري وانقطعت أخباره بعدها، والسبب أنه سارع لمعالجة حرق طفلة صغيرة مما أخّره عن معاينة قدم عسكري تعرض لطلق ناري في إحدى المعارك، وما كان من حرس المشفى إلا أن كتبوا فيه عدة تقارير أوصلته إلى الموت.
سلسلة طويلة لا نهاية لها هي أخبار الانتهاكات التي يتعرض لها الموظفون في مؤسسات النظام الواقعين تحت تأثير تشبيح زملائهم العملاء الأمنيين. والحوادث كثيرة مثلا حين نذكر المدرسين وأساتذة الجامعات الذين غيّبتهم جدران المعتقلات، إذ باتت هذه المرحلة تصفية حسابات شخصية ووظيفية تحت مسمى الولاء للنظام.
الأستاذ الجامعي "ح. س" تعرض للاعتقال مدة تسعة أشهر بسبب تقارير من زملائه وطلابه في الجامعة بتهم متناقضة خرج على إثرها فاقدا وظيفته ناهيك عن الآثار الصحية والنفسية التي دفعته للهرب إلى تركيا خشية الاعتقال مرة أخرى.
منذ بداية الثورة إلى اليوم قام الأمن باعتقال عدد كبير من الموظفين في أوقات عملهم أو خارجها، وباعتبار أنهم من النظام فهولاء يطلب منهم تقديم ولاء مضاعف، إذ إن أصحاب العقول المريضة يعتقدون أن نظام البعث تمنّ على مواطنيها في فرص العمل.