أخبار الآن| دير الزور ـ سوريا ـ ( وائل العمر)
بعد عدة ضربات مركزة من حيث التخطيط، وعنيفة من حيث التنفيذ، تلقتها محافظة دير الزور في جميع قطاعات الحياة المدنية والخدمات، يظهر تنظيم داعش مرة أخرى حاملا مفاجآته المؤلمة وربما المميتة لأهالي هذه المحافظة الواقعة تحت قمع قرارته وسياسته منذ ما يقارب السنة والتي لا لا تختلف عن النظام.
يصر تنظيم داعش على فرض قرارات تزيد من معاناة الأهالي، فما إن ينتهي من شل قطاع خدمي ما، حتى يلتفت إلى غيره، وكأنه ينفذ مخططا للقضاء على كامل مقومات الحياة في دير الزور.
وليس غريبا عليه بعد أن أصدر قرارا بإغلاق المدارس فقد أدى إلى القضاء على قطاع التعليم وحرم ما يقارب نصف مليون طالب من حقوقهم في التعلم، مسبوقا بعدة قرارات وممارسات قضت على عدة جوانب من الخدمات والصناعة والتجارة والزراعة، ومع إستمرار هذه السياسة وتعطيل كل مقومات الحياة يأتي التنظيم بحزمة قرارات "أمنية بحتة "، تطال هذه المرة القطاع الصحي رغم كل الاحتمالات الكارثية التي تحملها مثل هذه القرارات.
والضحية هذه المرة ليس الرجال ولا النساء ولا الشباب، بل هم الأطفال، حيث أكدت حملة دير الزور تحت النار لأخبار الآن : “أن تنظيم داعش أوقف جميع أنواع اللقاحات التي كانت تديرها منظمات مدنية مستقلة،
ولكن الحجة هذه المرة لا تختلف كثيرا عن سابقاتها التي أوقفت القطاعات الخدمية الأخرى، فيكفي أن يشكك التنظيم بالأشخاص العاملين في قطاع ما، أو بالجهات التي تقف وراءهم في سبيل إنجاح العمل، لكي يعطي لنفسه الشرعية الكاملة في إيقاف هذا الجانب أو ذاك، أو حتى اعتقال ومحاسبة وربما إعدام من كانوا يمارسونه، تارة بحجة العمالة، وأخرى بحجة الاختلاس، ولكنه لم يقدم ولو لمرة واحدة بديلا على الأرض، يغطي النقص الحاصل جراء توقف هذه الخدمة أو تلك.
يقول الدكتور "مؤيد" وهو اسم حركي لأحد الأطباء الذين كانوا يشرفون على الفرق العاملة في اللقاحات في دير الزور، واضطر إلى ترك العمل والهرب إلى تركية خوفا من ملاحقة التنظيم له أو لأحد من عائلته: "لقد أوقف تقديم اللقاحات رسميا من قبل تنظيم داعش، وقد سبق هذا القرار قرار استبدال الفرق العاملة في المحافظة من قبل الحكومة المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم، بفرق جديدة، لا تمتلك الخبرة الكافية لإنجاز ما أنجزته الفرق العاملة طيلة فترة زمنية تقارب السنة ".
وعن سبب إيقاف حملة لقاحات "شلل الأطفال" فيقول مشرف آثر عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: "إن حملة اللقاحات توقفت بقرار صادر عن تنظيم داعش وقد كانت التبريرات الأولية تشير إلى اتهام الفرق العاملة بالتعامل والتخابر مع منظمات أجنبية ذات أجندات مشبوهة .
ويضيف الدكتور "مؤيد" أن قرار الإيقاف أعقبه ممارسات غريبة من التنظيم حيث عمد إلى استهدف الكوادر الصحية في المحافظة من خلال دراسات أمنية موسعة تشمل أهل وأقارب وأصدقاء العاملين في المجال الصحي والمرشحين للعمل في أي نشاط صحي في المنطقة ".
حملة دير الزور تحت النار استطاعت الحصول على عدة وثائق ممهورة بخاتم ما يطلق عليه التنظيم اسم "الإدارة الطبية”، تحتوي هذه الوثائق على دراسة أمنية تكاد تكون صورة طبق الأصل عن الدراسات الأمنية التي كان يجريها نظام الأسد لكل مواطن سوري كان مرشحا للعمل أو الوظيفة في مكان ما من مؤسسات ودوائر الدولة.
كما حصلت الحملة على معلومات موثقة تفيد بهجرة عدد كبير من الأطباء والممرضين إلى خارج حدود البلاد بعد إصدار التنظيم لهذه الدراسات التي تربط بين الشخص نفسه وبين انتماء أحد من أقاربه أو أشقائه أو أصدقائه حتى، لأي من الجهات المعارضة لتنظيم داعش، أو التي سبق لها وحاربته، مما يجعل أكثر من تسعين بالمئة من الكوادر عرضة للمحاسبة بسبب وجود أحد من معارفهم في تيار أظهر العداء أو حارب التنظيم في أي من مراحل سيطرته على المحافظة.
قرار إيقاف حملة اللقاحات من جهة، و الدراسات التي يجريها التنظيم للكوادر والفرق العاملة من جهة أخرى، تكون دير الزور عموما، وأطفالها خصوصا عرضة لحلول وباء "شلل الأطفال" من جديد، بعد أن كثفت الجهود للقضاء عليه.
و يقول الدكتور "مؤيد" "إن الفرق التي كانت تدير وتشرف على حملة اللقاحات المتوقفة وفي أسوأ حالاتها وفي ظل ظروف النزوح الجماعي من بعض المناطق، استطاعت الوصول إلى مئتين وخمسة وستين ألف طفل، أما في الحالات الأقل سوءا فقد وصلنا إلى أكثر من ثلاثمائة ألف طفل “.
ويضيف المصدر ذاته قائلا: "أكثر من 600 فريق في 5 مناطق رئيسية و 22 مركزا للقاح، أوقفت، رغم أن الوباء الذي نحن بصدد القضاء عليه، هو وباء عالمي عابر للقارات ولا يرحم في تغلغه في المجتمع، ولا يعترف بالحدود.”
وقد وثقت حملة دير الزور تحت النار عدة شهادات من الكوادر الطبية، تفيد بخطر كارثي على قرابة نصف مليون طفل يعيشون في مختلف مناطق دير الزور، إن استمر إهمال الناحية الصحية من قبل تنظيم داعش المسيطر على الأرض من جهة، والمنظمات الدولية وعلى رأسها "الصحة العالمية "التي أبدت تعاونا جيدا في الفترة التي سبقت توقف هذه الحملة.
كما رصدت الحملة نداءات استغاثة من الأهالي بعد ظهور عدة حالات يشك في انتمائها للفيروس الخطير، عدا عن الحالات التي أثبتت في مراكز دولية متخصصة، تفيد بوجود انتشار جديد لهذا المرض.