أخبار الآن | ريف حلب – سوريا – (جلال زين الدين)
قد يستغرب من يعيش خارج سوريا حين يعرفَ أنَّ الفقر والعداء للأسد، لا الإيمان بعقيدة وفكر تنظيم داعش، هو السبب الرئيس وراء انخراط الكثيرين في صفوفه، ونظرة سريعة للمناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم نجد أنها تضم أكبر فئة من الفقراء في سوريا، بالرغم من تمتع هذه المناطق بالثروات الاستراتيجية والمنشآت الحيوية من نفط وغاز، ومساحات زراعية شاسعة، وسدود.
يقول المدرس عبد الكافي من ريف حلب الشرقي: "لم يقم النظام بتشغيل أبناء المنطقة، بل جلب أبناء طائفته، ووظفهم في مناطقنا، ليضيف للحرمان قهراً".
استثمر داعش الحرمان والفقر، وعمل على تعزيزهما بأساليب عدة ليدفع أبناء المنطقة للانخراط في صفوفه، وتشهد ممارسات التنظيم على ذلك، إذ ضيق التنظيم بداية على الموظفين وخاصة النساء في القطاع العام مما أدى لامتناع كثير منهم عن استلام رواتبهم، يقول الموظف محمد من مدينة منبج: " توقف حواجز التنظيم السيارات الذاهبة لمناطق النظام، وتهيننا وتتهمنا بقلة النخوة والحياء، وموالاة الكفار".
أجبر التنظيم المعلمين على الخضوع لدورة استتابة يتبرأون فيها من النظام السوري، مما يعني إحجام هؤلاء عن قبض رواتبهم من النظام، واضطرارهم إلى التعليم في مناطق التنظيم، يقول المدرس أحمد المحمد من ريف حلب الشرقي: " أعلن التنظيم عن استتابة للمنتسبين للمنظومة التعليمية التابعة للنظام، ومن لم يحضر استتابة يعد مصراً على ردته، ويتخوف المدرسون من أن التنظيم يمكن أن يقودهم للقتال في أي لحظة يحتاجهم فيها".
وضيق التنظيم على الأهالي في الداخل حتى منع المواطنين من السفر إلى تركيا عبر المناطق التي يسيطر عليها، فضلاً عن صعوبة السفر إلى لبنان نتيجة حواجز النظام وعدم الترحيب بالسوريين هناك، والأردن أغلقت حدودها بوجه السوريين، كما أنَّ هناك كثيراً من الشباب لديهم التزامات ولا يستطيعون السفر.
وتباطأت عجلة مهن كثيرة كالبناء، فمناطق التنظيم تشهد انخفاضاً بالطلب على العقارات، ويعتقد الناس أن مناطق التنظيم ستشهد معارك عنيفة لذلك لم يعد أحد يقدم على شراء العقار، ويضاف الى ذلك مضايقات التنظيم للجميع، مما انعكس سلباً على العمال الذين كانوا يعملون بالبناء، يقول المحامي أبو محمود من ريف حلب الشرقي: "يخشى الأهالي من عمليات عسكرية كبيرة على غرار عملية عين العرب تتدمر فيها مدنهم وقراهم".
ومما فاقم الفقر إيقاف تنظيم داعش عمل المنظمات الإنسانية كافة، والجمعيات الخيرية التي كانت تقدم لهم شيئاً من الرعاية الصحيّة والسلال الغذائية التي تعينهم على أعباء الحياة، يقول عمار نازح إلى مدينة منبج: " لم يترك التنظيم متنفساً للأهالي إلا وأغلقه فالمنظمات فضلا عن الخدمات التي كانت تقدمها كانت توظف أعدادًا لا بأس بها من شباب المنطقة".
أمام انسداد سبل العيش الكريم في وجه المواطنين، والفقر الشديد، منح التنظيم المنخرطين في صفوفه امتيازات عدة، بدءاً من الراتب الشهري، والرعاية الصحية المجانية للمقاتل ومن يُعيلهم، ناهيك عن المساعدات الغذائية، يقول الشيخ ابو عمر من ريف حلب: " اللافت أنَّ التنظيم يؤمن الراحة المادية الكاملة لعناصره، ويتكفل بإعالة عائلة المقاتل ومن يعيل".
وُضِعَ المواطن السوري الفقير بين خيار الموت البطيء المتمثل بالفقر، والموت السريع المتمثل بالانتساب لصفوف التنظيم، وللأسف فإنَّ فئة لا بأس بها فضلت الموت في صفوف التنظيم. ويأتي الشباب في طليعة المنتسبين إلى التنظيم إذ إن البطالة، وانسداد سبل العيش والسعي لتأسيس أسرة دفعت كثيراً منهم للانخراط في صفوفه.