أخبار الآن | دمشق – سوريا – (تالا جابر)
مغمض العينين شائحاً بوجهه عن رؤية جلاديه، وآه لم تخرج من بين شفتيه فالموت كان سابقاً لصوته، لم توضع على جبهته ورقةً تعطيه رقماً كغيره من الشهداء، إنه أسامة، لم يكن صعباً على فراس التعرف على صورة شقيقه وملامحه المسكونة بأوجاع ما يقارب العامين من الاعتقال.
ليلة السابع عشر من آذار عند منتصف الليل جلس فراس يتابع الصور المسربة لشهداء التعذيب في معتقلات نظام الأسد، يراقب أحد الفيديوهات متوجساً، ترى هل سيرى صورة أخيه بين هذه الصور؟، وإن كان كذلك كيف سيخبر زوجته وولديه؟، وما لبثت أن ظهرت صورة شقيقه ناحلاً والكدمات تملأ وجهه.
كيف عرفت أنه أخيك؟ أسأل فراس ليجيبني: "الأخ غالي.. أسامة كان أخي وابني وصديقي.. ورغم الكدمات تعرفت على ملامحه".
"أخي مظلوم" بهذه الكلمة اختصر فراس الداموني اللاجئ الفلسطيني في سوريا حكاية أخيه مؤكداً أن أخوه الشهيد "مواليد 1983" لم يكن له أي نشاط لا سيما أنه كان يتلقى العلاج بعد أن اكتشف إصابته بالتهاب الكبد، وبعد أن بدأت الأحداث في مخيم اليرموك خرج نازحاً إلى جديدة عرطوز مع زوجته وولديه.
ويضيف فراس: "غاب أسامة عن المخيم لأكثر من شهرين ثم عاد إليه لأخذ بعض الأوراق من منزله، وكان ذلك في يوم 24-2-2013، وقف على حاجز مخيم اليرموك "التابع لأحمد جبريل"، الذي اعتقله بعد أن أشار إليه شخص ملثم.
ويقول فراس: "علمت بعد أكثر من ثماني ساعات أن أخي تم اعتقاله حاولت الاتصال بمن لهم علاقة بالحاجز، وطلبوا مني مبلغ 50 ألف ليرة حتى يتركوه، وكنت جاهزاً للدفع لكنهم طلبوا مني الانتظار حتى صباح اليوم التالي، لكنهم تنصلوا وعلمت لاحقاً أنه ليس بمقدورهم فعل شيء لأخي، فمهمتهم تتمثل فقط في الاعتقال".
ويكمل فراس: "تحولت بعدها للسؤال والبحث في الأفرع الامنية، وبدأت من مكان عملي في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، هناك من حاول مساعدتي دون أن يطلب أي مقابل، وعدني أن أخي سيخرج سالماً".
ابنة أسامة غفران وابنه عمران كانا يسهران طوال الليل بانتظار والدهما لكن دون فائدة، كل يوم كانت الزوجة تحضر الطعام الذي يحبه أسامة لكنه لم يتذوقه.
ويكمل فراس: أحد الواسطات طلبت مني مبلغ 250 ألف ليرة، أسلمه له كاملاً قبل خروج أخي، لكنني شعرت أنه نصاب، وعلى هذا المنوال كل شخص يعرض عليه خدماته لكن مقابل مبالغ مالية أسلمها له قبل إطلاق سراح أسامة".
ويضيف فراس استمريت في المحاولة حتى دخل الأمن وعناصر وضباط فرع فلسطين إلى الكلية واستقروا فيها وبمكاتبها أثناء فترة تهديد النظام بضربة امريكية، ونتيحة عملي بالمقصف بشكل خاص و بالكلية بشكل عام استطعت الوصول لضابط، رجوته من أجل أخي قلت له من شان الله أخوي، أخد الاسم وأكد لي أنه سيتابع الموضوع"، ويضيف فراس قال لي حينها: "إذا خيك بريء سيخرج، وإن كان عليه شي لا تلوم غير حالك".
وبعد أسبوع ناداني ضابط آخر قال لي بالحرف الواحد: "أنت لماذا تسأل عن فرع فلسطين كم عسكري فيه وكم باب له؟"
أجبته أنني لم أسأل عن هذا أبداً، أنا أتساءل إن كان هناك من يساعدني لإخراج أخي البريء، رد علي: "إذا بقى تسأل عن خيك بدي أقص لسانك".
لم يستطع فراس الصمود طويلاً داخل البلد بعد هذا الكلام وهو ما دفعه إلى الهجرة والهروب من البلد بعد أسبوع.
ولم تفلح كل الاتصالات لتوصلني إلى أخي حسب ما يقول فراس، ويضيف لا أعرف متى استشهد أخي، لم يصلنا عنه أي خبر من لحظة اعتقاله، ولم أتوقع يوماً أن أرى أخي شهيداً في مقطع فيديو مسرب، لكن قدر الله وما شاء فعل.
بهذه الكلمات ختم فراس حكاية أخيه الشهيد مسلماً أمره ككل الواقعين تحت الظلم في سوريا إلى الله.