ساحة الرأي | أخبار الآن – (ياسر الأطرش)
15 آذار "الدمشقي" و18 آذار "الدرعاوي"، تاريخان قسما السوريين بحدة، حتى وسائل إعلام المعارضة تتخذ مواقف متشددة لصالح واحد من التاريخين تصل حدّ العداء فيما بينها، على أية حال هي ذكرى وتمر ليتلاشى الاختلاف في سواقي الدم التي يطغى لونها ورائحتها على كلّ كلام أو موقف يمكن أن ينحاز لغير القتيل.
وبالمناسبة، فإن الثورة السورية ليست مناسبة، ليست احتفالية تستدعي تصعيد المواقف السياسية مؤقتاً، وتزيين مواقع التواصل بصور الأعلام والشهداء، ليست الوقت الوحيد لتذكير العالم بموتنا اليومي، على أن ينسى الجميع غداً ما ذُكّروا به.
ذكرى الثورة ليست طقساً نتباكى فيه على موتنا أو نحرنا في عتباتها المقدسة، وليست موجة كهربائية صادمة يمكن أن نوقظ بها وجدان العالم المتوقف عن النبض.
في الذكرى الرابعة للثورة، وبين يديها الضارعتين إلى الله بأن ينقذ ما تبقى، خاطب الأمين العام للأمم المتحدة ضمير العالم، وهذا جلُّ ما يمكنه، وكثفت الولايات المتحدة من خطابها العلني الداعي إلى خروج الأسد من حياة سورية والسوريين، أو من موتها وموتهم، وكعادتها راحت منظمات الأمم المتحدة تستعرض الأرقام المفزعة لأعداد المنكوبين من مهجّرين ومعتقلين ومعاقين وأطفال بائسين.. وكي لا تمر المناسبة، كلاماً، بلا احتفالية بصرية، أقامت المنظمة الأممية "معرضاً" لصور آلاف القتلى، شهداء التعذيب والقهر في سجون الأسد.. إنها تسمع وترى وتعقل، ولكن لا تملك أن تكون أكثر من "عرض حالجي" تعرض قصتنا، وتستجدي دموع الأمم.
في الذكرى الرابعة، وفي كواليس المسرح الذي تئنُّ خشبته من ثقل الخطيئة، ثمة ممثلون حقيقيون، لا يرتدون أقنعة تناسب العرض، بل يتفاوضون على أدوار الممثلين الفرعيين وما يجب عرضه للجمهور.
فالولايات المتحدة انسحبت غير مرة من حرب مباشرة كانت ممكنة ضد الطاغية، ووجهت كل مقدّراتها في المنطقة لمجابهة "داعش"، وسط حديث عن تعاون مخابراتي "غير عدائي" مع مخابرات الأسد، كما يدور حديث في الكواليس عن تلقي المبعوث الدولي دي مستورا رسالة من فرنسا تفيد بتخليها عن شرط إسقاط الأسد من حسابات مرحلة انتقالية يشتغل عليها الرجل وفق مهمته، ليؤكد عضو ائتلافي بارز أن مباحثات القاهرة بين فرقاء المعارضة هذا الشهر ستناقش بقاءً محتملاً لرأس النظام لمدة عامين مع وجود هيئة حكم انتقالية تدير شؤون الدولة.
ومن ثم تتم الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وعلى هذا ربما سيلتئم مؤتمر "موسكو2"، الذي أكسبته الأمم المتحدة شرعية بإعلان دعمها له وربما حضورها، وهذه المرة يبدو المؤتمر جديراً بنظرة جدية، إذا ما استطاع الائتلاف تشكيل جبهة مع هيئة التنسيق، فالفريقان يشكلان ثقل المعارضة الداخلية والخارجية، أو أنهما كل المعارضة التي يكفي توقيعها لإبرام اتفاق، تكون باقي التشكيلات مجبرة على الإذعان له كأمر واقع في نهاية المطاف.
في الذكرى الرابعة للثورة، تستمر الأطراف السياسية جميعها في استثمار دروب الآلام لتعبر إلى فضاءات طموحاتها، ويبدو الإنسان وحده المنتهك، والمطروح في سوق المزايدات، قتيلاً وشريداً وبائساً فقيرا.. الكل يريده أن يتعب، وقد تعب، أنضجوه جيداً ليدخل زمن المصالحة، ومع بعض الشعارات التي اعتدنا على مضغها، سيبدو الجميع منتصراً.
في الذكرى الرابعة للثورة، جديرٌ بنا أن نعمل على إيقاف زمن الموت، كي لا تكون هناك ذكرى خامسة.. بل نكتب حقاً: حدث في مثل هذا اليوم.