أخبار الآن | جنوب دمشق – سوريا – (معاذ الخال)
الطريق مضنية بمعدة فارغة، ولكن الموت جوعاً يجبره على سيره، وقد تعدى عمره السبعين عاماً، يتناوب هو وكرسيه على مشاق الطريق، فيتبادلون الأدوار، كل منهما يحمل الآخر هنيه، يحمله على كتفه عندما يسير، ويستريح عليه بضعة دقائق، فقد نال منه كبر العمر، والجوع، والوقت لا يتنظر، فالآلاف غيره يقصدون نفس المكان، وقد تضيع عليه وجبة (شوربة العدس) الحد الفاصل بين الحياة والموت.
الكهل "أبو محمود" ذو الـ 70 عاماً من مخيم اليرموك المحاصر في دمشق، يقطع مسافة 6 كيلومترات حاملاً كرسيا، هو معينه الوحيد في طريقه ليستريح عليه، اثناء سلوكه الطريق من المخيم إلى بلدة الحجيرة لمدة 3 ساعات والانتظار في الطابور لثلاث أخريات، حتى يحصل على وجبة من شوربة العدس، التي يوزعها المطبخ الإغاثي الوحيد في جنوب دمشق المحاصر.
المئات من جوعى بلدات الجنوب الدمشقي المحاصر يصطفون في الطابور للحصول على وجبة هي كل ما يسد رمقهم، من بينهم الرجل المسن، ومنهم من يوفق بالحصول عليها، والكثير يعود خالي اليدين.
"محمد الخير" مدير المكتب الاغاثي في ريف دمشق الجنوبي، قال لـ "أخبار الآن": "عندما اطبقت قوات الأسد الحصار على بلدات جنوب دمشق، وبدأت المواد الغذائية بالنفاد، وظهرت معالم الكارثة التي ستحل بالمنطقة، لم تجد المكاتب الإغاثية إلا الاجتماع والتكافل تحت مسمى المكتب الإغاثي لريف دمشق المحاصر، وضم المكتب بلدات (بيت سحم، يلدا، ببيلا، حجيرة البلد، البويضة، عقربا)، ولم تجد طريقاً لإغاثة الناس إلا المطابخ".
وأضاف الخير: "المستفيد من المطبخ كل من يقصده أياً كان مسكنه، سواء من أبناء الريف، أو الحجر الأسود، أو المخيم، أو من المهجرين في جنوب دمشق"، وأشار إلى أن" معظم المواد المستخدمة في طبخ هذه الوجبة تم شرائها من التجار، والبسطات في الطرقات، تم تخزينها للطبخ".
وعن الصعوبات التي تواجه المطبخ، قال الخير: "المعاناة كبيرة في ظل الحصار الخانق، بسبب قلة المواد الداخلة للمنطقة، واحتكار التجار المتعاملين مع النظام للمواد (تجار الدم)، وبيعها بأسعار مرتفعة جداً، بحيث بات المكتب عاجزا عن شراء الكثير منها، أولا لقلة الدعم الوارد، وثانياً لغلاء ثمنها، بالإضافة لكثرة العوائل المنكوبة المحتاجة للطعام".
وبحسب ما افاد مدير المكتب لـ "أخبار الآن" فإن "المطبخ يقدم الوجبات لأكثر من 3000 شخص، وذلك لأن الوجبة ممزوجة بالماء، بينما قبل الحصار كان المطبخ يقدم وجبات من البرغل، والرز ومرق البطاطا وغيرها، بينما اعتمد على الشوربة بعد اطباق الحصار، كما أن تقديم الوجبة أحيانا يكون يومياً، وأحياناً يتوقف لمدة يومين أو ثلاثة لشح الدعم والموارد"، منوهاً إلى أن "التوزيع يكون بحسب عدد افراد العائلة، حيث عمل المكتب الاغاثي على توزيع كروت على العوائل المعدمة، بحيث لا تأخذ الأسرة أكثر من الأخرى".
المطابخ الإغاثية لا يتجاوز عدد العاملين فيها العشرة اشخاص في كل مطبخ جلهم متطوعون، وتعتمد في مواردها على حملات يطلقها المتطوعون لجمع ما يمكن تقديمه للجائعين في البلدات الست، بينما لم تزودهم الحكومة المؤقتة بأي دعم وفقا لمدير المكتب.
تجدر الإشارة إلى أن انتشار الأمراض بسبب الجوع او عدم صلاحية الأكل من حشائش وغيرها وخاصة مرض اليرقان، أصبحت من الأمور الشائعة في الجنوب المحاصر، غير أن المكاتب الطبية وثقت أكثر من 150 مدنياً جلهم من الأطفال قضوا جوعاً، ومرضاً جراء حصار قوات النظام.
"الحمد لله" كل ما يردده الرجل المسن "أبو محمود" كلما حصل على وجبته، بانتظار اليوم التالي عل وعسى أن يكون من فرج يقضي على شبح يسقطهم واحداً تلو الآخر.