لم يفرح الموظف الحكومي لدى النظام في سوريا يوما برفع الرواتب، فخبر رفع الرواتب لا يأتي منفردا، بل يرافقه خبر آخر وهو: "ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها من المواد الأساسية".
هذه المرة لم ترتفع الرواتب بنسبة مئوية كما جرت العادة، بل بمبلغ محدد لجميع الرواتب، و قدره أربعة آلاف ليرة سورية فقط زيادة على الرواتب في الوظائف الحكومية لدى النظام والتي قد تبلغ أقصى حد – بحسب رتبة الموظف – ليصل راتبه "العتيق" إلى ما يقارب العشرين ألف ليرة سورية او أكثر بقليل.
لم تشمل هذه الزيادة الشركات الخاصة في سوريا، معتبرة أنها تقدم رواتب عالية مقارنة مع راتب الموظف الحكومي، و موظف الشركات الخاصة يعد نفسه مدللا نسبة إلى الموظف الحكومي "المعتر".
في يوم صدور مرسوم رفع الرواتب، صدرت قوائم جديدة لأسعار جديدة للسلع الأساسية في حياة الفرد، ليرتفع سعر ربطة الخبز من 25 ليرة سورية إلى 35 ليرة من المصدر، أي من شباك الفرن، أما و قد يهرب المواطن من زحمة الشباك ليشتري من الباعة في الطرقات ، فقد يبلغ سعر الربطة 100 ليرة سورية، علما أن العائلة السورية الصغيرة تحتاج إلى ربطتي خبز يوميا، و هذا يعني 2100 ليرة سورية على أقل تقدير.
يضحك السوريون من كلمة "فقط" في قوائم الأسعار، و يقول نضال: "تدهشني كلمة" فقط "في نهاية سعر السلعة! كيف لهم أن يخبروني أن سعر السلعة 200 ليرة سورية … فقط؟ !"
تتحايل العائلة السورية على الموائد أيضا، فتدبر و تقنن و تلغي كل ما هو مرتفع الثمن، بل و تدرجه تحت بند "كمالي و ليس ضروري". وتختفي اللحوم من المائدة السورية بشكل ملحوظ، بسبب ارتفاع أسعارها، حيث وصل سعر اللحم إلى 2700 ليرة سورية للكيلو الواحد. كما وارتفعت تعرفة ركوب الباص الكبير "الأخضر" إلى 40 ليرة سورية للراكب الواحد، حتى في حال كان راكبا "على الواقف"، في حين اعتاد السوريون منذ أربع سنوات استقلال سيارة أجرة من مكان إلى آخر بنفس المبلغ تقريبا!
كل هذا يعني أن العائلة السورية و مع كل التدبير، تحتاج إلى ما لا يقل عن ستين ألف ليرة سورية شهريا للسلع الضرورية فقط، من خبز و أرز و خضار ومنظفات ومواصلات، ومحروقات إن وجدت.
فكيف يقوم السوري بتدبير أموره؟
هو سؤال يسأله سوريين الداخل لبعضهم معظم الأحيان "كيف بتدبر حالك؟!" .
بات معظم السوريون في الداخل يعتمدون على مساعدات "الأمم المتحدة" لتأمين ما أمكن من الاحتياجات الشهرية من المواد الأساسية، و يفرحون بيوم توزيع المؤن تماما مثل فرحتهم بيوم العيد.
و كثيرا ما نرى الناس يبيعون مؤنهم التي حصلوا عليها من الأمم في الشارع، على البسطات، بأسعار مختلفة، ذلك بسبب اكتفائهم نوعا ما من هذه الأنواع التي يبيعونها تحديدا، و حاجتهم إلى مواد أخرى لا يمتلكون ثمنها، ولا توزعها "الأمم المتحدة".
أما (الدَين) فقد أصبح حاجة ملحة لإكمال الشهر، فيستدين السوريون من بعضهم، ويردون الدين من دين آخر، من شخص آخر، في شهر آخر، لتصبح حلقة ضيقة يدور فيها السوري بدافع العيش الكريم، أو غير الكريم في معظم الأحيان.
اعتادت النظام اعطاء المواطن بيد، و أخذ ما أعطاه من اليد الأخرى، فيبقى حائرا بيدين فارغتين من كل شيء، إلا من الدعاء لنفسه، وعلى نظام الأسد.