يشهد عدد من أحياء دمشق الثائرة ما يسمى بهدن أو وقف إطلاق النار أو المصالحة، سياسة جديدة ينتهجها النظام في المناطق الثائرة، لكسب مزيد من الحلفاء في صفوفه سواء أكان هؤلاء الحلفاء دوليين لمساعدته في قمع ثورة الشعب السوري، أو محليين وهم من مؤيديه أو حياديين قد ضجروا من تدهور الأوضاع في سوريا.
جاء طرح مسألة الهدن بعد حصار مطبق تفاوت بين الستة أشهر والسنة ونيف، عرض النظام خلالها هدنة عن طريق وسطاء من المدنيين النازحين من أحيائهم الثائرة، تتضمن شروطاً تفاوتت بين الجيدة والمجحفة بين منطقة وأخرى.
وهؤلاء الوسطاء بدورهم قاموا بعرض هذه الشروط على الجيش الحر المتمركز داخل الأحياء، وتمت الموافقة عليها في معظم الأحيان وتم رفضها في مواقع أخرى.
ففي المعضمية، قدم النظام عرضاً لوقف إطلاق النار، وفك الحصار عن المدينة، مقابل تسليم الجيش الحر بعض أسلحته ورفع أعلام النظام على المباني العالية في المدينة، وقد استجاب عناصر الجيش الحر لهذه المطالب نتيجة الحصار المفروض على المدينة التي تأوي عدداً لا يُستهان به من المدنيين، جاء ذلك بعد وفاة عدد كبير منهم نتيجة نقص التغذية الحاد والجفاف.
أما في حي برزة بدمشق، عرضت قوات الأسد وقفاً لإطلاق النار على مجموعة من وجهاء الحي من المدنيين المتواجدين خارج الحي، ثم قام هؤلاء بالتواصل مع قادة الجيش الحر في المنطقة، وقدم قادة الجيش الحر شروطهم الخاصة، وسجلت المنطقة هدوءاً منذ الحديث عن وقف إطلاق النار بعد معارك ضارية استمرت عشرة أشهر، واستجاب النظام لمعظم هذه الطلبات لاسيما انسحاب قوات الأسد من مناطق متقدمة كانت قد احتلتها على أطراف الحي، وإنزال كافة القناصين، ووقف استهداف المنطقة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة وإدخال بعض المساعدات الغذائية، لكنها تلكأت كثيراً فيما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين الذي كان أحد أهم بنود الهدنة، فيما بعد وبعد فتح الطرقات الرئيسية في الحي وتنظيفها تمت عودة المدنيين إليه بعد غياب دام حوالي التسعة أشهر.
وفي حي القابون، جرى الحديث عن وقف إطلاق نار مشابه لما حصل في حي برزة، حيث سجل الحي هدوءاً منذ بدء المفاوضات. إلا أنه وإلى اليوم لم تثمر المفاوضات عن أية نتيجة سوى وقف استتهداف الحي وإطلاق سراح حوالي الأحد عشر معتقلاً.
فيما رفضت مدينة داريا في ريف دمشق موضوع الهدنة، إثر ذلك تم استهداف المدينة بحوالي 300 برميل متفجر، مخلفة عدداً من الضحايا ودماراً كبيراً في المنازل والأبنية السكنية.
سعى النظام منذ بدء طرح موضوع الهدن إلى استغلال الموضوع إعلامياً، وإظهار نفسه على أنه صانع سلام، حيث قام بنقل صور وقف إطلاق النار، وإدخال بعض المساعدات الغذائية إلى المناطق المهادِنة وعرضها على طاولة المفاوضات في جينيف 2، لكن تم إظهار الأمر أمام الوسطاء الدوليين على أنه استسلام للجيش الحر وتسليمه لأسلحته وهو ما لم يحصل على الإطلاق.
يتصور للبعض من سكان هذه الأحياء أن الهدن هي انتصار، فيما يرى البعض الآخر أنها استراحة، ويذهب آخرون إلى أنها خيانة للثورة والمناطق الثائرة.
ترى "يارا محمد"، من سكان مدينة المعضمية، أن الهدنة أنقذت حياة عدد كبير من المدنيين المهددين بالموت جوعاً في ظل الحصار، على الرغم من رفع أعلام النظام على أسطح المباني العالية في المدينة.
وفي حي برزة، قال هيثم، وهو أحد عناصر الجيش الحر، إن "انعدام المؤازرة، والصعوبة البالغة في الحصول على الذخيرة، ومعاناة المدنيين النازحين إلى خارج الحي هي ما دفعت الجيش الحر ليوافق على وقف إطلاق النار"، نافياً تسليم أي قطعة سلاح لقوات الأسد، ,اكد محافظة الجيش الحر على كافة مواقعه إضافة إلى المواقع التي انسحبت منها قوات الأسد.
ويشتكي الأهالي في المدن التي عقد الثوار فيها هدن مع النظام من مسألة اعتقال أي شاب يحاول الخروج من المدينة، إضافة إلى عدم إفراج النظام عن أي من المعتقلين في سجونه بالرغم من الوعود التي قطعها بالإفراج عنهم على دفعات، وخرق شبيحة النظام للهدن في اللحظة التي تروق لهم، دون أية أسباب واضحة.
كما تقوم الميليشيات العراقية واللبنانية بمحاولة استفزاز المناطق التي عقد هدن جنوب دمشق في محاولة لإنهاء الهدن بغية قصف المنطقة وقتل المدنيين فيها دون أن يكون لقوات النظام وضباطه أية ردود أفعال تجاه هذه الخروقات.أسباب
أما "سعيد" وهو من المدنيين، عبرّ عن سعادته بعودته إلى حي برزة، يأتي ذلك بعد المشاكل الاقتصادية التي عانى منها المدنيون خارج الحي، لاسيما مشكلة ارتفاع أجارات البيوت وانعدام الموارد المالية، وعلى الرغم من الدمار الهائل الذي لحق بالحي، والذي قدر بما يقارب 85% من منازل الحي نتيجة قصف قوات الأسد، إلا أن هذه الخطوة قد تكون أحد الخطوات في حل مشكلات المدنيين النازحين، ينوه سعيد أن هناك صعوبة كبيرة في ترميم الممتلكات الخاصة للمدنيين بسبب غلاء الأسعار، ناهيكم عن انهيار البنى التحتية في الحي بشكل شبه كامل، ويضاف إلى ذلك حالة البطالة التي تفشت بين جميع شباب الحي كما هو الحال في معظم المناطق الثائرة في سوريا.
ويسعى نظام الأسد، في الآونة الأخيرة إبرام هدنة في غوطة دمشق بالشروط التي يراها بغية تأمين العاصمة، الأمر الذي واجهه الثوار ووجهاء المدن بالرفض، كون أن النظام لا يلتزم بعهوده في جميع المناطق التي أبرمت هدن معه خلال الفترة الماضية.
ويذهب البعض إلى أن الهدن مع النظام تعني استسلام الجيش الحر لمطالب النظام وانصياعه لها، حيث عبر "أبو أسامة" عن خيبة أمله بالجيش الحر، ورأى في الهدنة التي عقدها النظام في مدينة المعضمية أنها بعيدة عن أهداف الثورة الحقيقية التي قامت أساساً على مواجهة هذا النظام بكل ما عرف عنه من بطش واستبداد، إذ ليس من الغريب أن ينكل بالمدن لكن الغريب أن ينصاع الجيش الحر لطلباته.