عاصفة استثنائية في ظروف استثنائية أسموها في الأردن وفلسطين "هدى" لما لهذا الاسم من دلالات، فهو الطريق الى الخير والرشاد على أمل أن تحمل هذه العاصفة أمطار الخير التي تبشر بموسم زراعي وفير، وفي لبنان أسموها "زينة" لتكون أول اسم لعاصفة يصدر عن مصلحة الأرصاد الجوية بشكل رسمي.
ولحداثة هذا الأمر على سكان المنطقة وصغر حجمها الجغرافي، وترابط شعوبها، تحولت تسمية هذه العاصفة إلى مادة متداولة بكثافة على شبكات التواصل الاجتماعي للسخرية من الأسماء تارة، وتارة أخرى للتعبير عن الاستياء من عدم قدرة عدة دول في منطقة جفرافية صغيرة من توحيد جهودها في هذا المجال، ولم تخلُ التعليقات من الإشارة للأوضاع المأساوية التي يعيشها السوريون في الداخل والخارج بمخيمات النزوح في دول الجوار فلا كهرباء هناك ولا وقود ولا ماء ولا طعام، فكيف سيكون الحال مع هبوب عاصفة ستكون الأقوى على ما يبدو منذ عقود، ويتوقع أن تهبط درجات الحرارة خلالها حتى 10 تحت الصفر!
وضجت صفحات التواصل الاجتماعي في هذه الأيام بمنشورات تسخر من اسم العاصفة "هدى" وكأن السوريون يحاولون بطريقة أو بأخرى أن ينسوا الألم المحدق بهم من كل صوب، ويحولوا المآسي عندهم إلى بسمة تزرع دفئاً حولهم، من خلال خلقهم مادة للتندر من هذه المعاناة الشتوية الجديدة، وباتوا يتناقلون الأخبار التي جعلت من العاصفة هدى مادة دسمة في هذه المواقع لتتناقلها فيما بعد وسائل الإعلام، ومنها خبر طلاق رجل أردني لزوجته التي اسمها هدى لأنه ذم العاصفة فظنت الزوجة أنه يقصدها، فيما أعلنت سوريات اسمهن "هدى" تبرأهن من هذا الاسم الذي تسبب بمقتل أطفال من البرد في مخيمات لبنان.
حيث يكتب "علي" على صفحته الشخصية على فيسبوك: "هلق اعتمدو العاصفة اسمها هدى ولا زينة ولا اسمها هدى و بيدلعوها زينة؟!"
بينما يكتب فادي داهوك صحفي في موقع المدن: "اسم العاصفة في لبنان زينة وفي الدول الأقل تحضراً من لبنان اسمها هدى، لكن صوت الريح في الخارج يقول أن اسمها أنيسة" في إشارة للسخرية من والدة بشار الأسد.
لم يستطع أحد في ظل هذه الأجواء الباردة أن يخفي حزنه على معاناة اللاجئين السوريين في المخيمات، فأطلقوا حملاتهم لمساعدتهم عبر منشوراتهم على الفيسبوك والتوتير، مستخدمين هاشتاغ "هدى" وباتوا يتناقلون صور اللاجئين في المخيمات بمسحة لا تخلو من الحزن لما حل بهم، ولم يخفف عنهم سوى أن هذه العاصفة أتت على جميع ولم تستثنٍ أحداً.
ينشر فادي على صفحته على الفيسبوك:" المصيبة اليوم ربانية .. لكي تشمل الجميع بدون أي استثناء".
في حين عبر"عبد الباسط" أحد المغردين على صفحته عن تطيره مما وصلت إليه الحال فكتب: "لاجئ سوري ناطر هدى وزينة ورحمة ربه".
وفي هذا الإطار نشر ابراهيم: "هدى مَنْ طوَّل الغياب جاب الغنائم" في إشارة إلى شدة العاصفة وغزارة الأمطار والثلوج على عكس السنوات الأخيرة.
بينما استغل آخرون الجمع بين ما كتب عن السوريين في شارع الحمرا من خلال وصفهم بالسمر بكلام عنصري من قبل كاتب لبناني للجمع بين مأساة العاصفة القادمة والمقال العنصري الذي نُعتوا به.
إذ يقول محمد: "اذا كنتي يا هدى سمرا لو سمحتي ما تقربي عشارع الحمرا"، بينما تقول هبة: "ألف كلمة سمرا ولا يقولوا بردان ياهدى".
ليست هذه المرة الأولى التي يتناول فيها السوريون ما يحدث حولهم عن طريق إطلاقهم هاشتاغ رسمي أو منشورات موحدة، وكأنهم يحاولون بطريقة أو بأخرى أن يخلقوا مجتمعاً جديداً لهم في هذا العالم الأزرق.
ومع أول أيام العاصفة الثلجية في سوريا استيقظ السوريون على الأبيض الذي كسى أرضهم، وباتوا يتغنون به وبنقائه، وينشرون صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، راسمين على الثلج الذي بدا كثيفاً جداً شعارات الحرية والكرامة وصاروا يكتبون أسماء الشهداء والمحبين ليتذكرونهم في هذه اللحظات التي قضوها معهم في الأعوام السابقة حتى أن البعض منهم صار يعيد نشر الصور التي التقطها الشهداء بعدساتهم.
يذكر أن العاصفة التي وصلت دمشق جاءت بشكل لم يستعد فيه كثير من الأهالي لاستقبالها، فمع انقطاع الكهرباء لفترات متواصلة طيلة اليوم وانقطاع الغاز والوقود معها، بات صعباً على الأهالي تأمين ما يلزمهم للتدفئة إلا بشكل نادر وبسيط ومن يحصل منهم على الغاز أو الوقود فإنه يشتريه بأسعار باهظة جداً.
يذكر أن طفل من أهالي الغوطة الشرقية توفي نتيجة البرد إذ كان يأوي مع عائلته في حديقة صغيرة في منطقة ركن الدين في دمشق، حيث لم يكن لدى العائلة المؤلفة من أم وطفلين غير الذي توفي وأب مفقود سوى بطانية واحدة تقيهم البرد القارص، كما وصل عدد ضحايا العاصفة من النازحين السوريين في مخيمات لبنان إلى ستة أطفال، وفقاً لنشطاء.
لا نعلم ما تحمله هذه العاصفة من مفاجآت في الأيام المقبلة، لكن ما نلاحظه محاولة السوريين الهروب من هذا الواقع الذي بات يحملهم وزر من يموت برداً سواء بالدعابة التي تخفي دمعاً أو بصريح العبارة المليئة بالحزن.