عندما اجتاحت داعش مدينة الموصل في حزيران/ يونيو قامت بتشديد سيطرتها على المدينة ، ولكنها عانت كما تقول صحيفة «واشنطن بوست» من مشكلة وهي هروب الأطباء من المستشفيات وعليه قامت بتهديدهم وإصدار إنذار نهائي تدعوهم فيه للعودة وإلا خسروا بيوتهم وممتلكاتهم.
وترى الصحيفة ان محاولة داعش إدارة النظام الصحي في الموصل تقدم نظرة عن الطريقة التي حاولت فيها بناء «الخلافة» في العراق وسوريا.
فرغم انتصاراتها في ساحات المعارك إلا انها واجهت مشاكل في إدارة الحياة اليومية في الموصل، خاصة المستشفيات التي كانت تواجه نقصا حادا في الأدوية وانقطاعا مستمرا للطاقة الكهربائية.
ويقول أطباء نقلت عنهم الصحيفة ان مقاتلي داعش قاموا بفرض عدد من القيود على عمل الطواقم الطبية بشكل أدى إلى تهميشهم وتعريض حياة المرضى للخطر.
فالطريقة الجامدة والمتشددة التي أدارت فيها داعش الحياة اليومية أدت لتراجع دعم الكثير من السنة الذين رحبوا بها في البداية واعتبروها بديلا عن الحكومة العراقية .
ولكن الجماعة اضطرت في عدد من الحالات للتنازل عن سياسات جامدة مثل منع الأطباء والطبيبات من العمل معا.
ورغم هذا لا يزال داعش تمارس حكما متشددا وذلك حسب شهادات عاملين في أربع مستشفيات من سبع موجودة في المدينة.
ويقولون ان الجماعة منعت الطبيبات من المناوبات الليلية وفرضت عليهن لبس النقاب. كما ولا يتم التسامح مع المعارضة أو النقد، ويقول طبيب انه شاهد بداية الشهر الحالي مريضا يجادل طبيبا مرتبطا بداعش، وفي اليوم الثاني حضر المقاتلون وأخذوا المريض لبهو المستشفى وجلدوه وأجبروه على الاعتذار للطبيب.
وقال الطبيب ان الأطباء الذين رفضوا الانضمام للجماعة «يعيشون في حالة من الخوف».
وكعادتها في طريقة إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها كان أول بيان صدر عن داعش هو فرض الزي الشرعي على العاملات في مستشفيات المدينة ـ النقاب والقفازات. وقامت الجماعة بعد ذلك بإلغاء برنامج تحديد النسل ومنع توزيع حبوب منع الحمل التي كانت متوفرة للأزواج.
وتقول الصحيفة ان الجماعة قامت في الصيف بمنع طبيب تخدير من معالجة امرأة كانت في حالة مخاض. فقد منع مقاتل الطبيب من الدخول على إمرأة رجل آخر، وظلت المرأة بدون دواء نظرا لعدم وجود طبيبة.
ورغم سياسة التنظيم في الحفاظ على العمال والجهاز البيروقراطي العامل لإدارة المؤسسات العامة بما فيها المستشفيات إلا انه يحابي الموالين له ويعطي القادة المواقع الهامة في أجهزة الحكم.
وترى طبيبة ان الجهاز المدني لا يعد أولوية بالنسبة للتنظيم الذي لا يزال يخوض معارك عسكرية.
– قمع
وتشير جماعات حقوق إنسان وناشطون إلى مقتل خمسة أطباء في تشرين ألاول/ اكتوبر وليس واضحا سبب القتل وإن كان له علاقة بعملهم أم لا لكنهم يشيرون إلى اعتقال صاحب صيدلية بسبب بيعه الدواء لإمرأة ليست محجبة.
وأدت القيود الشديدة لحالة من الغضب بين العاملين والعاملات في المستشفيات وهو ما دفعهم للإضراب عن العمل.
واضطر التنظيم لتخفيف القيود من أجل الحفاظ على النظام الصحي. وسمح للأطباء والطبيبات بالعمل معا لكنه لم يتنازل عن ارتدائهن الحجاب، ولبعض المريضات مشاهدة اختصاصيين رجال ولكن في حالات لا علاقة لها بالحمل .
وسمحت جماعة داعش للعاملين في القطاع الصحي استلام رواتبهم من الحكومة المركزية في بغداد وذلك بسبب القيود على ميزانيتها. فقد قال الإداريون في الجماعة انهم مستعدون لدفع 200 دولار أميركي للطبيب في الشهر فيما يبلغ راتبه من الحكومة 1.000 دولار.
ولهذا تسمح داعش كل شهر لموظفين في القطاع الصحي السفر إلى مدينة كركوك التي يسيطر عليها الأكراد لصرف الرواتب من البنوك التي تتعامل معها الحكومة هناك. أما الأدوية فيتم الحصول عليها من خلال التهريب وتوزيع على مستشفيات المدينة.
ويقول متحدث باسم وزارة الصحة العراقية ان الحكومة حاولت نقل المواد الطبية للموصل لكنها واجهت صعوبات، كما ولا تريد ان تقع في يد داعش.
وتعتبر خطوط التهريب التي تتقاطع حول مدينة الموصل شريان الحياة بالنسبة لسكانها وتزودهم بالطعام والدواء والوقود.
وبحسب أطباء نقلت عنهم الصحيفة فقد حددت الجماعة الأرباح التي يجب ان يحصل عليها الصيادلة من بيع الدواء المهرب، في محاولة من قادة الجماعة مساعدة السكان الذين يعانون حالة من الفقر. ومع كل الإجراءات إلا ان النظام الصحي في الموصل يعاني من مصاعب خاصة من يحتاج من المرضى لعلاج طويل أو جراحة دقيقة، وتعاني المستشفيات، خاصة عيادات العظام، من نقص في العربات المتحركة. وتقول طبيبة «لا توجد حياة هنا، نحن نعيش في الظلام» و «في الموصل فنحن مثل الأحياء الأموات».
– انهيار الاقتصاد
وتؤكد شهادات الأطباء عن حالة القطاع الصحي في الموصل ما سبق وكتبه كل من محمد المصلاوي وفاضل الهورامي ولوك هاردينغ في صحيفة «الغارديان» الشهر الماضي عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه سكان الموصل.
وكتب الثلاثة عن تدهور الأوضاع في المدينة بشكل مأساوي، حيث يعاني السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والمياه وتوقف المؤسسات عن العمل، فيما يواجه الاقتصاد حالة من الانهيار الكامل.
ورسم التقرير صورة كئيبة عن حالة المدينة والحياة في ظل داعش. فقد توقفت مؤسسات الخدمة العامة عن توفير الخدمات للمواطنين، فيما علقت الشركات العامة والبناء أعمالها، وهناك آلاف من العمال أصبحوا عاطلين.
وحاولت الجماعة في العدد الأخير من مجلته الناطقة بالإنكليزية «دابق» إظهار انها قادرة على توفير الحكم الصالح، فلا يمكن إنشاء الدولة بدون الاهتمام بالمصالح الدنيوية والدينية» لسكانها، وأكدت المجلة ان الجماعة تحرص على المدنيين الواقعين تحت حكمها. ولهذا احتوى العدد على صور لطبيب وهو يعالج مريضا في عيادته، وعمال النظافة وهم ينظفون الشوارع وبيتا للعجزة.
لكن الصورة غير الواقع حيث يقول السكان انهم غير قادرين على مواجهة الشتاء بدون مساعدات، فيما أنفق الكثيرون منهم ما وفروه من مال.
وزادت أسعار المواد الغذائية ولا أحد يهتم بجمع النفايات التي تتراكم في الشوارع. ويقول عامل البناء زيد (34 عاما) انه يقضي معظم وقته في البيت يفكر في مستقبل عائلته «لا يوجد هناك عمل، وأصحاب الأعمال يدفعون رواتب قليلة».
– ارتفاع الأسعار
وقدم التقرير صورة عن ارتفاع أسعار الكاز منذ دخول داعش للموصل حتى الشهر الماضي حيث تضاعف ثلاث مرات من 95.000 دينار عراقي ـ 300.000 دينار. وزادت نسبة التضخم بسبب سيطرة القوات الكردية على معبر ربيعة بين العراق وسوريا والذي يعتبر نقطة امداد مهمة للجماعة .
ويتوقع السكان ارتفاع أسعار الوقود اكثر مع حلول الشتاء القارس. فعندما كانت داعش تسيطر على معبر ربيعة لم يزد سعر كيلو الطماطم عن 225 دينارا أما الآن فقد أصبح يباع بـ 1.500 دينار للكيلو الواحد وربما اكثر.
ولا تحصل المدينة إلا على ساعات قليلة من التيار الكهربائي. ومع ان هناك مولدات خاصة يمكن للسكان استخدامها ولكن غياب فرص العمل وعدم توفر المال يمنع الكثيرين من الاستفادة منها.
ويعاني الأطفال أيضا في ظل داعش ولم يتمكن التلاميذ من أداء امتحاناتهم هذا العام. ومن هنا غامرت عائلات وقطعت خطوط التماس بين داعش ومنطقة كردستان حتى يتمكن أبناؤها من الجلوس على مقاعد الامتحان وإلا خسروا العام كله.
وبحسب أرقام وزارة التعليم العراقية فلم يؤد أي من التلاميذ امتحاناتهم في الموصل. ولم يعان السكان فقط من نقص المواد الأساسية بل ومن حملة قمع واستفزاز قامت بها داعش ضد الأطباء والنواب في البرلمان والسكان العاديين.
فقد قتلت الجماعة صحافيا كرديا اسمه مهند العجيلي، كما أعدمت محامية مشهورة وهي سميرة صالح علي النعيمي بعد انتقادها داعش ونظامها البربري على الفيسبوك.