مع منتصف سبتمر من العام الجاري خرجت الأمم المتحدة وبشكل مفاجئ بقرار خفض مساعدات اللاجئين السوريين إلى 40% وخاصة حصتهم من المساعدات الغذائية، معلنة أن القرار سيدخل حيز التنفيذ مع بداية أكتوبر 2014 وبالفعل ما إن دخل أكتوبر حتى بدأت المساعدات الشحيحة تطال اللاجئين السوريين في دول الجوار ولم يتوقف الأمر على اللاجئين السوريين بل تعداه إلى النازحين داخل الأراضي السورية، الأمر الذي قد ينذر بكارثة جوع قد تقع إزاء ذلك.
يأتي ذلك بعد إقرار المفوضية عدم وجود الدعم الكافي من الهيئات الدولية والممولين للحصص الغذائية، والذي تم تقديره ب 350 مليون دولار. إذ يتلقى البرنامج الغذائي تمويله من عدة قطاعات عالمية وعربية، إضافة إلى منظمات وأفراد بدأ دعمها يتقلص حتى انعدم، على حد تعبير مهند هادي منسق عملية الطوارئ للأزمة السورية ضمن برنامج الغذاء العالمي.
في حين سبقت هذه القرارات قرارات أخرى بقطع المساعدات المادية والطبية والتعليمية عن عدد كبير من السوريين معلنين بذلك أنهم يحاولون بطريقة ما وعبر جداول وأبحاث تقرُّ بالعائلات الأشد احتياجاً للمساعدات.
"في سوري مو محتاج مساعدة هالأيام"؟! هكذا تتساءل السيدة أم عدنان، وهي ربة منزل في الأردن وأم لأربعة أطفال، إذ تفاجأت بوصول رسالة نصية إلى هاتفها تقضي بأنهم من العائلات التي ستُحرم من المساعدات الغذائية من قبل المفوضية لأنهم قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية!
وتقول أم عدنان زوجي استشهد في اقتحام درعا مع بداية الأحداث وأكبر أولادي في السابعة عشر من عمره يعمل في مطعم سوري ويتلقى أجراً زهيداً بالكاد يكفينا أجار منزلنا فيما كانت تؤمن البطاقات التموينية للمفوضية حاجتنا من الغذاء لكننا ومع قطع المساعدات لن نتمكن إطلاقاً من إعالة أنفسنا! وكأن هذا القرار يعني إما أن تموتوا في أرضكم بأحد الأسلحة أو تموتوا خارجها جوعاً. فيما آثر آخرون العودة إلى ديارهم مع ما تبقى معهم من أموال خاصة بعد عدم وجود أي جهة داعمة لهم.
أخبار الآن التقت السيد "راجي" وهو لاجئ إلى سوريا عائد من مصر، يقول: كنت أعمل في مجال الحلاقة في مصر براتب 150$ تقريباً وأتلقى مبلغ مادي 50$ ومثله كروت غذائية، كنت أتمكن من إدارة أمور عائلتي سيما أنه لدي طفلان في المدرسة ولديهم احتياجاتهم الخاصة، لكن المفوضية قطعت مساعداتها المالية عنا في منتصف العام الجاري، وعندما صرحت المفوضية بقطع المساعدات الغذائية اتخذت قراري بالعودة إلى سوريا دون أي تردد، كان معي مبلغ 200$ فيما استلفت باقي المبلغ لتأمين كروت الطائرة لي ولعائلتي، أفضل أن أعيش تحت تهديد القصف والخطف والاعتقال على أن أعيش تحت خطر تهديد أطفالي بالموت جوعاً أو حرمانهم من حقوقهم البسيطة، على الأقل سأعيش كل هذا بجانب أهلي وأصدقائي، لن أكون غريباً أو لاجئاً في بلاد أخرى.
ويتوقع أن قرار منظمة الغذاء العالمي سيشمل عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين في دول الجوار في العراق والأردن ولبنان ومصر وتركيا، إذ قُطعت المساعدات مبدئيا عن ستة آلاف عائلة سورية في الأردن، بينما في لبنان فإن أكثر من 200 ألف شخص محرومون من المساعدات الغذائية ومن المتوقع أن يصل عددهم ليشكل ربع السوريين في لبنان، كما سيشمل القرار عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين المقيمين في مصر حيث سيصل عدد المحرومين من القسائم الغذائية إلى أكثر من النصف إذ ستكتفي المفوضية بتقديم الدعم ل43ألف سوري من أصل 100 ألف سوري وسيتم تخفيض القيمة من 30$ إلى 15$، لكن القرار لن يدخل حيز التنفيذ في دورة أكتوبر، إذ أعلن برنامج الغذاء العالمي أنه سيوزع المساعدات كما هي في دورة أكتوبر ولن يستثني أحدأً من السوريين إلا أن القرار سيدخل حيز التنفيذ في دورة نوفمبر وسيطال شريحة كبيرة من السوريين سواء بحرمانها من المساعدات الغذائية أو بتخفيضها.
أما في سوريا فستشمل المساعدات 4ملايين شخص فقط وحتى نوفمبر 2014 مع تقليل حجم الطرود الغذائية فيما ستقطع المساعدات بشكل نهائي مع نهاية ديسمبر.
عندما نتحدث عن هكذا قرار من قبل منظمة مسؤولة كالغذاء العالمي، فإنك ستضع في حسبانك الحديث عن سبعة ملايين لاجئ داخل أراضي سوريا وخارجها، كلهم باتوا تحت خطر الجوع، فحتى المساعدات التعليمية التي كانت تعطى للأطفال اللاجئين من قبل منظمة إنقاذ الطفولة وتحت إشراف المفوضية قطعت عن الأطفال اللاجئين كما وحرم الكثير منهم من الذهاب إلى مدارسهم، فيما تم تقليص المساعدات الطبية بشكل شحيح جداً وبات على السوريين أن يتكلفوا عناء مرضهم.
ومع هذه السياسات المجحفة بحق السوريين اختار الكثير منهم العودة إلى سوريا والعيش فيها رغم كل مافيها من سوء وحروب وعذاب وموت.