قالت وزارة التربية في نظام بشار الأسد إن مايزيدُ على أربعة ملايين تلميذ التحقوا بمدارسِ سوريا بشقيْها العام والخاص ؛ ولم تتطرق الوزارةُ إلى مصيرِ عشراتِ الالاف من الطلّاب في مناطق ِالريف المحرر والغوطة ِالشرقيّة على وجه الخصوص.
ويقول مسؤولون إن صعوباتٍ جمة تواجهُ سير العملية في الغوطة ، منها عجز ُوزارة ِالتربية في الحكومة المؤقتة عن تأمينِ احتياجاتِ الطلّاب .
وفي شمال سوريا فتحت المدارس أبوابَها في الأحياء الواقعة تحت سيطرةِ الثوار في حلب ، غير أن العامَ الدراسي بدأ في أقبية ٍتحت الارض لحمايةِ الطلاب من قصف البراميل المتفجرة التي تلقيها طائراتُ النظام يوميا على شرق المدينة .
وكانت الأمم ُالمتحدة أشارت إلى أن 51 في المئة من الأطفال السوريين ممن هم في سنِ الدراسة لا يذهبون إلى المدارس .
يقول الأستاذ سليمان الموجه التربوي في إحدى مدارس العاصمة إنّ الواقع التعليمي لن يكون بأحسن حال، ما عانيناه في العام الدراسي الماضي سنعاني منه هذا العام خصوصاً وأنّ الوضع الأمني في العاصمة ليس على خير ما يرام، فالقذائف المتساقطة على أحياء العاصمة مستمرّة وقد يتعرّض الطلّاب في المدارس كما تعرّضوا في السابق لخطر انفجارها في مدارسهم أو في طريقهم إليها.
وأضاف الأستاذ سليمان: "الضغط السكّاني الكبير في دمشق سينعكس سلباً على المدارس فيها، إذ ارتفعت نسبة الطلبة المُسجّلين في مدارس العاصمة إلى 140% قياساً بسعتها الطبيعية، وهو ما يشكّل عائقاً كبيراً أمام سير العملية التعليمية بنجاح، وأرجع سليمان ذلك إلى خروج مئات المدارس عن الخدمة نتيجة القصف الذي تعرضت له في السابق أو المعارك الدائرة في مناطق مثل جوبر و بعض أحياء جنوب دمشق.
في الوقت الذي يبدو فيه الوضع التعليمي في العاصمة دمشق بهذا السوء إلّا أنه ستبدو بحالٍ جيّد جداً قياسا بالوضع الذي يعاني منه قطّاع التعليم في الغوطة الشرقيّة، فمنذ خرجت الغوطة عن سيطرة الأسد، سعت الكوادر التعليمية فيها إلى رأب الصدع الذي أفرزه حصار النّظام للغوطة في شتّى المجالات و منها مجال التعليم .
يقول الأستاذ عثمان عضو المكتب التعليمي في الغوطة الشرقيّة إنّ النّظام لجأ منذ البداية إلى استهداف المدارس في مناطق عديدة من الغوطة بغية تعطيلها و خلق مزيد من الضغوطات التي تثقل كاهل المحاصرين فيها، مما اضطرنا إلى استبدال مباني المدارس الحكومية بمبانٍ أقلّ خطورة وأقلّ عرضة للقصف وهو ما ضيّق الخيارات و قلّل من شروط المدارس الصحيّة.
وعن الصعوبات التي تواجه سير العمليّة التعليميّة في الغوطة المحاصرة قال الأستاذ عثمان: "العامل المادي هو الأكثر تأثيراً على القطاع التعليمي في الغوطة و أمام عجز وزارة التربيّة التابعة للحكومة المؤقتة عن تأمين احتياجات الطلّاب في الغوطة سيتم العمل بالشروط الدنيا للنجاح ، فإذا أردنا أن تكون العملية التعليمية ناجحة فإنّنا بحاجة وسطياً لما يعادل 100 دولار أمريكي لكل طالب، وهذا الرقم للعام الدراسي كاملاً، أي أنّ مدارس الغوطة التي تحوي 80 ألف طالب مسجلون، بحاجة لمبلغ يقدّر بـ 8 مليون دولار لتأمين الاحتياجات الأساسية للطلاب والكوادر التدريسيّة فيها، وهو ما تعجز مديرية تربية ريف دمشق في الحكومة المؤقتة عن الوفاء به.
وقال عثمان إنّ الجو العام في الغوطة دعا مئات العائلات لمنع أطفالهم من الالتحاق بالمدارس، إمّا خوفاً عليهم من القصف، أو بسبب عمالة الأطفال المنشرة في الغوطة نتيجة الحاجة التي فرضها عليهم الحصار.
فتحت المدارس ابوابها في الاحياء الواقعة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة السورية في حلب، الا ان العام الدراسي بدأ في أقبية تحت الارض لحماية الطلاب من قصف البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات النظام يوميا على شرق المدينة.
ينزل التلامذة الذين تتفاوت اعمارهم عبر سلالم ضيقة ومظلمة نحو القبو، تاركين آسفين ضوء النهار خلفهم. في احدى القاعات، يجلسون فتيات وفتيان في قاعة خالية الا من كراس وحوالى 15 طاولة.
على الطاولات، تبعثرت اقلام ودفاتر… بينما الاطفال ينشدون اغنية معا بحماس، ثم يجلسون ويستمعون بانتباه الى شرح مدرسهم الاستاذ عبدالله الذي يرفق كلامه بكتابات على لوح اخضر علق على عجل على احد الجدران.
ويشرح عبدالله "الاطفال ياخذون الدروس تحت الارض في القبو بسبب القصف. المدرسة فوق مجهزة بشكل جيد، لكن كثافة القصف جعلتنا ننزل الاطفال الى القبو".
ثم يضيف "الامر صعب جدا عليهم، يشعرون بالضغط، لذلك نحاول قدر الامكان رفع معنوياتهم واعطاءهم برامج ترفيهية حتى يعتادوا على التواجد في القبو".
ويتابع "ان شاء الله نعود قريبا الى فوق".
فوق الارض، الغارات تتواصل من دون هوادة. منذ كانون الاول/ديسمبر، تقوم طائرات مروحية تابعة للنظام السوري بشكل يومي بالقاء براميل متفجرة على احياء مختلفة من حلب يسيطر عليها مقاتلو المعارضة. ونددت منظمات غير حكومية والامم المتحدة بهذه الحملة التي لا تستهدف مواقع عسكرية، بل اماكن عشوائية، ما يتسبب بمقتل الابرياء.
والبراميل عبارة عن خزانات وقود او ماء او عبوات غاز معبأة بمتفجرات ومواد معدنية، غير مزودة بانظمة توجيه، ما يجعل من الصعب تحديد اهدافها بدقة.
ووثق المرصد السوري لحقوق الانسان سقوط نحو ثلاثة الاف قتيل بين المدنيين في القصف الجوي على حلب منذ مطلع العام الجاري، بينهم حوالى ثمانمئة شخص دون الثامنة عشرة، وحوالى اربعمئة امراة.
ويستغل الاطفال فترة من الهدوء ليصعدوا السلم ويأخذوا قسطا من الراحة في ملعب المدرسة في الهواء الطلق، لكن الامر لا يخلو من خطورة. ويمكن في البعيد سماع اصوات تحليق الطيران، او اصوات انفجارات ورصاص ناتجة عن معارك على خطوط التماس.
ويقول جعفر، وهو تلميذ في الابتدائي، بينما يركض رفاقه من حوله "صعدنا لنلهو قليلا ونفرح بعد ان كنا تحت الارض. نلعب ونغيّر جو لاننا لا نستطيع ان نمكث فترة طويلة تحت الارض. ضاق نفسنا. لكننا خائفون من ان تاتي الطائرة وتقصفنا".
في الملعب، اولاد يلعبون بالطابة، فتيات، بعضهن يغطين رؤوسهن وأخريات مكشوفات الشعر، يقفزن على الحبل، وصبيان يركضون.
دمرت الحرب في حلب التي اندلعت في صيف 2012 المدينة بشكل شبه كامل. ونزح منها الاف السكان.
مواعيد فتح المدارس منذ اكثر من سنتين غير منتظمة. في المدرستين اللتين زارهما مراسل وكالة فرانس برس، اطفال من اعمار مختلفة يتواجدون في صف واحد.
وتشرف على المدرستين مجموعة من الناشطين الجامعيين المعارضين بعد ان توقفت معظم المدارس الحكومية عن العمل، اما بسبب الدمار، واما بسبب نزوح موظفيها.
وتشكل الحرب عاملا يمنع الاستقرار على كل الصعد.
وتقول احدى المدرسات في مدرسة ثانية مستحدثة بعد الحرب "اضطررنا الى افتتاح منازل صالحة للسكن وتحويلها الى مدارس. لكن الطالب يعاني. ليست هناك فسحة للنزهة. لا مساحة للعب. التدريس معرض للخطر، والمناطق معرضة للقصف".
وتضيف "الطالب نفسيته سيئة، وهو بحاجة لمراعاة دائمة"، مشيرة الى ان العديد من الطلاب يتغيبون احيانا عن الدروس.
وتتابع "احيانا ياتي طالب بعد غياب، لان منزله يكون قد اصيب في القصف"، او "يغيب احدهم اسبوعا او اسبوعين، ويقول لم اتمكن من المجيء، كنت في المنطقة الفلانية التي تعرضت للضرب، او استشهد شقيقي، الخ…".
وتقول بحسرة "الاطفال والطلاب هم الضحية الاكبر في الثورة".
وبحسب الامم المتحدة، فان اكثر من نصف (51.8 في المئة) من الاطفال السوريين الذين هم في سن الدراسة لا يذهبون الى المدرسة.
في محافظة حلب (شمال)، تصل النسبة الى 68 في المئة. في محافظة الرقة (شمال) التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الاسلامية"، تصل النسبة الى 90 في المئة.
في نهاية 2013، كانت اربعة آلاف مدرسة في سوريا متوقفة بسبب الدمار، او الاضرار، او تحويلها الى ملاجىء للنازحين.