تعيش الغوطة الغربية لمدينة دمشق مأساة إنسانية، قد لاتصل لفداحة نظيرتها الشرقية، إلا أن امتداد هذه المأساة لحياة الناس اليومية قد يوصلها لتلك الدرجة.
وعندما نتحدث عن الغوطة الغربية لدمشق، فنحن نتناول امتدادها من منطقة الربوة الخضراء في دمشق وصولاً إلى داريا ومخيم الشيح وزاكية والقيلبية والديرخبية ودروشا، وكلها مناطق كانت مقصد سياحي لأهالي العاصمة لكنها مع مرور الوقت واشتداد وطأة الحرب تحولت إلى مقصد عسكري للنظام!
بدأت الحملات العسكرية على تلك المناطق مع انصرام ديسمبر من العام الفائت كما يتحدث "عماد المسلماني" لأخبار الآن وهو ناشط إعلامي في المنطقة، لكن التصعيد بدأ بعد تحرير منطقة منشية خان الشيح والحسينية عندما ضرب الجيش الحر أكبر حاجزين في المنطقة هما حاجز 86 وحاجز الحسينية، وهنا بدأت المأساة تمتد للأهالي وشهدت المنطقة حركة نزوح واسعة، إذ نزح عدد كبير من أهالي خان الشيح ولم يتبقى في المدينة إلا ثمانية آلاف شخص من أصل 25ألفاً، وتأوي مدينة المقيليبة حوالي 15ألفاً، ويتوزع الباقي على بلدة الحسينية 2000نسمة، والديرخبية 6000نسمة، فيما هُجِّرَ كل الأهالي من مدينة دروشا بعد تحولها لثكنة عسكرية تُسْتَهدَف البلدات المحيطة من خلالها، بينما تأوي مدينة زاكية العدد الأكبر من النازحين حيث تضم حوالي 25ألفاً منهم إضافة إلى 25ألفاً من السكان الأصليين، الأمر الذي يلزم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الداعمة تأمين قوت لهذه العائلات النازحة التي لم تعد تجد ما يسد رمقها.
يأتي هذا في ظل أوضاع إنسانية صعبة للغاية إذ تعاني المنطقة من غياب أو تواجد لأي منظمة إنسانية كالهلال أو الصليب الأحمر، بل حتى تعاني من عدم وجود أي مركز صحي متكامل لإجراء العمليات الجراحية أو علاج الجرحى الذين تزايدت أعدادهم في الأيام الأخيرة نتيجة استهداف النظام للمنطقة بقذائف الهاون والدبابات وعربات الشيلكا مما أسفر عن سقوط ستة شهداء على الأقل، معظمهم من النساء والأطفال.
ومما زاد الأمر سوءاً استهداف النظام للطريق الوحيد في البلدة الذي يعتبر شريان الحياة فيها، ومنه تدخل المساعدات الإنسانية للمحاصرين هناك، ويتم تهريب المواد الطبية إليها، وبقي المنفذ الوحيد في المدينة طريق عسكري خطر جداً يصعب على سالكيه عبوره وكل من يمر فيه هو مستهدف من قبل قناصات النظام.
ويتحدث "عماد المسلماني" أن الأهالي هناك محرومون من أبسط مقومات الحياة ألا وهي انقطاع الكهرباء والاتصالات والمياه، عن المنطقة لفترات طويلة قد تصل إلى أيام، حيث بالكاد يتم تشغيل الكهرباء لمدة ثلاث ساعات يومية، ومع تغيبها تغيب المياه والاتصالات، ويعمد الناس في هذه الحالات للجوء إلى بطاريات السيارات وعواكس الكهرباء (انفيرتر) لتوليد الطاقة الكهربائية، فيما يتم بيع المياه بواسطة خزانات متنقلة تُملأ من الآبار المتواجدة على أطراف مخيم الشيح أو من نبع للمياه العذبة في البلدة، سعة الواحد منها 25 برميلاً سعر البرميل يصل إلى ألف ليرة سورية، بينما حاجة البيت الواحد تصل إلى خمسة براميل!
وعن نصيب بلدات الغوطة الغربية من المساعدات، يقول المسلماني أن مخيم الشيح يحظى بالنصيب الأكبر من المساعدات المقدمة من (الأونروا) نظراً لأن أغلب قاطنيه من الفلسطينين، أما بقية العائلات فمن يتلقى المساعدات منهم أغلبهم من عوائل الشهداء والمعتقلين إذ يتلقونها من المجلس المحلي لمدينة داريا، فيما تبقى العائلات التي لا يوجد عندها شهيد أو معتقل بلا معيل! لتظهر مأساة أخرى في بيتها ونكبة جديدة تضاف لها!
"أم رائد" أم لخمسة أطفال كبيرهم في السادسة عشر من عمره، تتحدث لأخبار الآن عن أن مأساتها نزحت معها ورافقتها من بيتها في الحجر الأسود لتستقر معها في بلدة زاكية، ولتتكاثف مع تقلص المساعدات لها والتي تقتصر على سلة غذائية تقدم لها كل شهرين فقط، في الوقت الذي لا تستطيع أن ترسل أطفالها للمدارس للعام الثاني على التوالي خوفاً عليهم من عمليات الخطف والقنص، وفي الوقت الذي لا تدرك فيه حتى الآن مصير زوجها المفقود من سنتين ونصف!
يشكو الكثير من الأهالي هناك تغيبهم عن الإعلام والسكوت على مآسيهم التي تمتد يوماً بعد يوم إلى جميع مناطق الغوطة الغربية، وكأن العالم لم يعد يسمع إلا أصوات من يموت بالغارات الجوية، ولم يعد يرى إلا جثث من خنقهم الكيماوي، ولم يعد يصغي إلا لمن يُنْحَر ذبحاً بالسكاكين، لتبقى مشكلة من يموت بصمت تحت الحصار لدرجة تصبح فيها المياه والكهرباء والدواء من رفاهيات الحياة، مشكلة يمرون عليها مرور الكرام!