أخبار الآن | دمشق- سوريا (يمنى الدمشقي):
طغت ثقافة السلاح بالتزامن مع توافره بكثرة في مناطق سوريا، حتى بعد عقد الهدن في كثير من المناطق التي وقعت اتفاقية وقف اطلاق النار بين النظام والمعارضة، إذ اتخذ الكثيرون من السلاح أداة للترهيب أو الاستفزاز أو لاستعراض بطولات على المدنيين. ولم يقتصر انتشار السلاح بشكل عشوائي بين صفوف المدنيين وفي الشوارع والطرقات بل تعداها ليصل إلى المؤسسات الحكومية والجامعات وحتى المدارس.
فوضى الجامعات والمدارس والمراكز الحكومية
لا يخفى على أحد الرُخص التي منحها النظام في مؤسساته العامة لحمل السلاح لمؤيديه حيث تحول السلاح لأداة للترهيب والاستفزاز، ويؤكد الدكتور سيف الدين محمد وهو أستاذ جامعي، بأن غياب السلطة تسبب بانتشار السلاح بشكل عشوائي حتى بين صفوف الأساتذة الجامعيين أنفسهم حيث جعلوا من السلاح أو المواقف المخالفة أداة لتصفية الحسابات الشخصية، فأكبر أستاذ جامعي معرض لأن يشهر السلاح في وجهه من قبل أحد طلابه المعروف بولائه الكبير للنظام أو كما يطلق عليه “شبيح”.
كما أكد الدكتور على أن سيطرة حزب البعث الكبيرة على الفئة المجتمعية وتسليح هؤلاء الطلاب أو كما يسمون “اتحاد الطلبة” جعلت كل الأمور تسير بلا قانون بل جعلتها كيفية بحسب كل شخص، في محاولة من كل هؤلاء لإحكام سيطرتهم على البلد حتى في أماكن تحرم عليهم استخدام أو رفع السلاح فيها.
تتحدث “هنادي” وهي أستاذة في مدرسة ثانوية تقع على أطراف مدينة دمشق وبالقرب من أحد الأحياء الملاصقة لأماكن تجمع المؤيدين والشبيحة، أنها اضطرت لترك المدرسة التي تعمل بها بسبب انتشار الفوضى والتسليح بشكل كبير حتى أثناء إلقائها أحد الدروس قامت بتوبيخ أحد طالباتها لأنها لم تقم بواجبها الدراسي كما يجب فما كان من الطالبة إلا أن تمادت بالشتائم عليها وهددتها برفع السلاح عليها مستعينة من نفوذ والدها العسكري كضابط في الجيش السوري.
وتؤكد هنادي أنه في ظل هذا الوضع الذي نعايشه لم يعد هناك حرمة لأي شيء، حتى المدّرس لم يعد له تلك الرهبة التي كان يفرضها على تلامذته مما يضطر الكثيرين منهم لترك مراكز عملهم والسفر خارج البلاد بحثاً عن عمل آخر أو البقاء في المنزل خوفاً على حياتهم.
المناطق المحررة بيئة مناسبة لتجارة الأسلحة
مما لا شك فيه أن المعارك التي كانت تجري على الجبهات ساهمت بانتشار السلاح بشكل كبير جداً بل وظهور عدد من الناس ممن استغلوا امداد هذه الجبهات بالسلاح لتجميعه ومن ثم بيعه لكتائب أخرى أو توزيعه على معارفهم.
“زياد” ناشط في مدينة دمشق في أحد الأحياء التي شهدت هذه الحرب طويلة الأمد، بدأ عمله في الثورة بشكل سلمي واستمر يعمل في الاغاثة مع اشتداد الحصار على المناطق، لكنه لا يخفي نبرات الغضب بسبب تفشي انتشار السلاح بين من لا يجيدون استخدامه وتوجيهه إلى حيث يجب أن يتوجه، حيث تحول السلاح إلى أداة إما للتباهي أو للانتقام بيد البعض. ويذكر زياد قصة أحدهم ممن كان يحمل السلاح وقام بقتل صديقه بعد اكتشاف وجود الأخير في المنزل مع زوجته ليتحول بعد ذلك للمحكمة الشرعية التي تقيم الحدود في الحي.
في ظل ما سبق ومع استمرار الحرب الطاحنة وغياب أي أفق لحل سياسي أو عسكري تبقى مشكلة السلاح من المشكلات العصية التي أفرزتها الثورة السورية والتي ستبقى قيد القرارات الحكيمة التي من المفترض أن توجه هذه الأسلحة بالاتجاه الصحيح إلى جبهات القتال في وجه العدو الحقيقي أو في دورها الفاعل بحفظ الأمن والاستقرار في البلد.