دبي، 27 ابريل، (رنا عفيفي – أخبار الآن)–
من مر يوما في حمص يصعب عليه التخيل أن كل صور الدمار التي نراها اليوم في الأخبار تنتمي لنفس هذا المكان الهادئ. هذه المدينة التي كانت تبعد أهل الشام عن ضجيج دمشق العاصمة. أصبحت اليوم ساحة قتال مقطعة السبل و الأوصال.
أتت الثورة السورية لتعيد تركيبة حمص التاريخية و الجغرافية و الثقافية فانتقل سكانها من عشقهم لحضور مباريات فريقهم الكرامة الى عيش مرارة النزوح و ويلات الحرب. و أصبحت المدينة التي كان يقف عندها السوريون طلبا لحلاوة الجبن مدينة مليئة بالحواجز و التقسيمات التي أعادت كتابة خارطتها حتى لدرجة أنك لم تعد تتعرف عليها. في هذا المقال ذكر لعشر ذكريات من هذه المدينة “عاصمة الثورة” و قلب سوريا.
1- نادي الكرامة الرياضي
تعتبر الرياضة الأكثر شعبية في حمص ” كرة القدم”، تحوي المدينة أحد أقدم أندية كرة القدم في سوريا وهو نادي الكرامة الذي حاز على عددا من الألقاب الرياضية البارزة على مستوى الجمهورية والمستوى الإقليمي، حيث حقق الكرامة المركز الثاني في دوري أبطال آسيا عام 2006؛ فالكرامة أصبح إسم و عنوان لحمص.
2- محطة السفر و حلاوة الجبن
لكل من لا يعرفها “حمص”، هي المدينة الثالثة في الجمهورية السورية من حيث عدد السكان. تقع على نهر العاصي في منطقة زراعية متوسطة البلاد و واصلة المحافظات والمدن الجنوبية بالمحافظات والمدن الساحليّة والشماليّة والشرقية.
فكيفما كان طريقك داخل سوريا مسافرا من حلب الى دمشق أو بالعكس لا بد و أن تمر بحمص لتقف في محطة “البولمان”، أو الكراجات حيث ينزل المسافرون و يبدلون طرقهم. و لعلك تنزل لتستريح قليلا و تأكل بعضا من ألوان الطعام التي تشتهر به هذه المدينة. و لابد أن تأخذ معك بعضا من “حلاوة الجبن” الحمصية الشهيرة.
3- جامع خالد بن الوليد، و كنيسة أم الزنار
أبنية حمص القديمة و كنائسها و جوامعها تعكس تاريخها القديم.أبرز المعالم الإسلامية في المدينة هو جامع خالد بن الوليد الذي يضم مدفن الصحابي والقائد العسكري خالد بن الوليد الذي استقرّ في حمص وفيها توفي عام 641، ويقع في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة، ومنه اشتقت الحي المجاور اسمه “الخالدية”.
أعاد العثمانيون خلال عهدعبد الحميد الثاني عام 1908 بناء المسجد وتوسعته ليصبح نموذجًا عن العمارة العثمانية في سوريا، وهو إلى جانب احتوائه ضريح خالد بن الوليد، يحوي أيضًا ضريح ابنه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعبيد الله بن عمر بن الخطاب.
أما المعالم المسيحية، فأقدمها كنيسة أم الزنار التي بدأت ككنيسة تحت الأرض وهي من أقدم كنائس العالم. ثم بنيت كنيسة صغيرة فوق الأرض بعد انتشار المسيحية في المدينة فوق الكنيسة الأصلية.
وفي القرن الثاني عشر وضع بها الزنار المنسوب لمريم العذراء، وبحسب التقاليد المسيحية احتفظ به القديس توما أحد التلاميذ الاثني عشر. وانتقل إلى عدة مدن قبل أن يستقر في حمص. وخلال عمليات تجديد الكنيسة وترميمها عام 1852 عثر داخل مذبح الكنيسة على الزنار موضوعًا داخل وعاء معدني. حيث أن أهالي حمص كانوا قد خافوا من القلاقل الأمنية ودفنوا الزنار فيه، وقد شيد مصلّى خاص قرب الكنيسة يعرض به الزنار منذ ذلك الوقت.
4- قلعة الحصن
هي قلعة صليبية تقع ضمن سلاسل جبال الساحل السوري ضمن محافظة حمص. تعتبر هذه القلعة واحدة من أهم قلاع القرون الوسطى المحفوظة في العالم. اختيرت قلعة الحصن، شرق المدينة، كواحدة من مواقع التراث العالمي، المحمي من قبل اليونيسكو.
5- مصفاة البترول
كل من عاش يوما في حمص يتعرف علي رائحة ” المصفاة” التي كانت تزعج السكان بتلوثها بين الفترة و الأخرى. و لكنك عاجلا أم آجلا تعتاد عليها. هذه المصفاة هي مصفاة لتكرير النفط تم بنائها خلال عقد الثلاثينات لتغطية استهلاك سوريا المحلي، وقد قصفت هذه المصفاة من قبل إسرائيل خلال حرب تشرين عام 1973، إلا أنه في أعقاب الحرب عادت المصفاة لتؤدي عملها بالكامل.
6- النكتة الحمصية
قبل الثورة كانت حمص تشتهر بالنكتة الحمصية التي درجت على لسان السوريين. بحسب الباحث الحمصي جورج كدر في كتابه :”أدب النكتة: بحث في جذور تاريخ النكتة الحمصية”، فإن سبب ذلك يرجع تاريخيا الى وقت اجتياح تيمورلنك لبلاد الشام حيث كانت حمص المدينة الوحيدة التي سلمت من أذاه. و ذلك لأن سكانها تظاهروا بالجنون في الشوارع، وعلقوا على رؤوسهم القباقيب، وأخذوا يقرعون على الصحون النحاسية، وأشاعوا أن مياه العاصي تصيب كل من يشربها بالجنون.
و هذا ما جعل الجيش الذي يرافق تيمورلنك يمر مرورًا سريعًا في حمص، وقد حدث ذلك يوم الأربعاء فاعتبر هذا اليوم هو “عيد الحماصنة”. وبعبارة أخرى، عيد الجنون الحمصي الذي تروى عنه النكات. وهنالك روايات تُشير إلى اشتهار حمص بالنكتة منذ زمن إمبراطورة روما الحمصيّة الأصل جوليا دومنا. وعمومًا فإن هذه الظاهرة منتشرة أيضًا في عدد من المناطق حول العالم، على سبيل المثال تكساس في الولايات المتحدة.
7- أعلام ومشاهير حمص
أنكيتوس: بابا روما بين عامي 154 و166.
جوليا دومنا: إمبراطورة الإمبراطورية الرومانية.
ألكسندر سيفيروس: إمبراطور الإمبراطورية الرومانية.
ديك الجن: شاعر من العصر العباسي.
أمين الجندي: شاعر من أواخر القرن التاسع عشر، شارك في صناعة النهضة العربية الثقافية.
هاشم الأتاسي: رئيس سوريا سابقًا لفترتين، وأبو الدستور السوري السابق.
رياض الترك: شيوعي سوري، ويعتبر أحد أبرز مؤسسي المعارضة السورية.
الطيب تيزيني: فيلسوف وكاتب سوري.
فراس السواح: مؤرخ وكاتب في الميثولوجيا السوريّة والعالمية القديمة.
برهان غليون: رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة السوربون، ورئيس المجلس الوطني السوري المعارض.
مالك الجندلي: موسيقار سوري، وحائز على جائزة أفصل عازف بيانو لعام 1997.
و في أحداث الثورة السورية و مع تتابع التظاهرات في حمص أخذت منذ بدايتها طابعا خاصا. مثلته العديد من الأسماء التي لمعت في قيادة التظاهرات في المدينة كحارس نادي الكرامة والمنتخب السوري الشاب عبد الباسط ساروت.
كما أن عدداً من أبرز المعارضين السوريين هم من حمص ومنهم برهان غليون وسهير الأتاسي، هذا ما دفع الكثيرين لتسمية حمص “عاصمة الثورة السوريّة”.
8- إعتصام الساعة
حمص هي ثاني مدينة بعد درعا تنضم إلى الثورة السورية مطالبة ب”إسقاط النظام”، وشهدت أول إعتصام في تاريخ الثورة السورية و هو الإعتصام الذي علّق كل من بدأ الثورة عليه الآمال. حيث كان رمز النضال السلمي و نقطة التحول في مسيرة الثورة.إنه الاعتصام الأول في الثورة السورية.. اعتصام ساحة الساعة في حمص يوم 18/4/2011.
في اليوم السابق للإعتصام شهدت حمص مظاهرات حاشدة تركزت في حي باب السباع و حصل يومها إطلاق نار من قوات الأمن على المتظاهرين مما أدى إلى سقوط 13 شهيداً وعدد كبير من الجرحى. في اليوم التالي, شيع أهل حمص شهدائهم و تمت الصلاة عليهم في مسجد المدينة الكبير و دفنوا في مقبرة تل النصر في شمال شرق حمص وعاد المشيعون مباشرة إلى الساحة الرئيسية في حمص، ساحة الساعة.
بدأ الاعتصام حوالي الساعة الثانية بعد الظهر, وقدرت أعداد المشاركين بدايةً بأكثر من أربعين ألف متظاهر من مختلف الطبقات الاجتماعية والعمرية.و مع مرور الساعات ازداد عداد المشاركين الى حوالي 100 ألف مشارك. و بدأ الشباب بتشكيل مجموعات لتنظيم الاعتصام و تأمين الطعام والشراب و الحفاظ على نظافة الساحة و مراقبة مداخل الساحة وتفتيش الداخلين اليها لمنع تسرب أي مندسين أو حامل سلاح مهما صغر.حيث كان السلاح في ذلك الوقت مرفوضاً رفضاً قاطعاً وذلك حفاظاً على سلمية الثورة.
شهد هذا الاعتصام حالات فريدة تستحق الذكر, منها قيام مسيحيي المدينة بحماية مداخل الساحة وتشكيل طوق حول المعتصمين لحمايتهم أثناء تأدية المسلمين للصلاة كما تم رفع رجال الدين الإسلامي والمسيحي على الأكتاف جنباً إلى جنب وترديد شعار: “واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد”.
كما قام المتظاهرون بتغطية كاميرات المراقبة المتوزعة على أبواب المصارف المطلة على الساحة بأكياس سوداء ولم يكسروها لتلافي استخدام التسجيلات من قبل المخابرات فيما بعد.
بدأ خبر الاعتصام ينتشر, ومع وصول الوقت إلى منتصف الليل, وصل تسريب من أحد الضباط الشرفاء إلى بعض رجالات حمص بأن هناك أوامر عليا بفض الاعتصام قبل الفجر بأي ثمن كان. سادت حالة من التردد في أوساط المعتصمين فمنهم من أصر على البقاء ومنهم من فضل الرحيل وذلك لتهديد قوات الأمن باستخدام أي وسيلة كانت لفضه. ومع الساعة الثانية فجراً تفاجأ المعتصمون الباقون في الساحة بإطلاق الرصاص الحي بشكل كثيف ومباشر على من تبقى من المعتصمين.
وكان إطلاق النار من من مبنى قيادة شرطة المدينة ومبنى السرايا (المحافظة) والبنك التجاري وترافق ذلك بانتشار العناصر الأمنية على الأرض التي كانت تجهز على الجرحى وتعتقل من بقي على قيد الحياة ولم يسعفه الوقت للفرار. استمر إطلاق النار على المعتصمين في الساحة ساعة كاملة. و بعد ذلك استمر تمشيط المنطقة وإطلاق النار العشوائي حتى الساعة الخامسة فجراً.
نتج عن هذه المجزرة 83 شهيداً وعشرات المفقودين ومئات الجرحى والمعتقلين. و مع خيوط الشمس الأولى عملت الجهات الأمنية إلى تكديس الجثث فوق بعضها في شاحنات صغيرة لنقلها ومن ثم تم تسليم الجثث لأهلها تباعا بمعدل 5 إلى 7 جثث أسبوعيا. وبعد ذلك قامت سيارات مياه خاصة بالجيش بغسل الأرض من الدماء وجمع فوارغ الرصاص وفرضت حالة من منع التجول في المدينة استمرت 3 أيام بعدها.
شكل هذا الاعتصام نقطة التحول الأساسية في الثورة في مدينة حمص, فالكثير من الناشطين يعتبرونه نقطة التحول من حراك إلى ثورة, حيث أدت مجزرة ساحة الساعة إلى مشاركة معظم أهالي حمص بأطيافهم المختلفة فيما بعد في التظاهرات والتركيز على شعار إسقاط النظام. كما شكل رمزاً للنضال السلمي لدى كل السوريين. و برز التساؤل حول إمكانية إسقاط النظام من خلال الإعتصامات السلمية كما حدث سابقا في السيناريو المصري.
9- حصار حمص
تعاني مئات العائلات السورية في حمص القديمة من حصار تفرضه القوات الحكومية انعدم معه الغذاء والدواء، يناشد من تبقى في 13 حيا محاصرا في حمص القديمة العالم لكسر الطوق المفروض على أحيائهم إلى الآن. حيث بات المئات محاصرين بالجوع والألم كما يروي سكان من داخل الحصار.
علاوة على نقص الغذاء، فليس هناك في حمص القديمة التي تخضع للحصار سوى طبيبين فقط وممرضين لا يتوفر لهم أي شيء من المعدات الطبية التي تسمح لهم بمعالجة المصابين في الحصار.
وفشلت حتى الآن مفاوضات وفدي الحكومة والمعارضة في جنيف 2 لفك الحصار عن أحياء حمص القديمة، إذ تقول الحكومة إنها تخشى من وصول المساعدات إلى “إرهابيين” يتحصنون في المدينة القديمة.
10- بعد هذا الإنتقال السريع بالأحداث في هذه الذكريات لمدينة حمص، يرافق الأمل كل من كان يوما في حمص و شرب من مياه العاصي، بأن تكون الذكرى التالية التي ستصنعها هذه المدينة هي عودتها لسلامها وهدؤها. وإنتصارها في معركتها التي بدأت منذ ثلاثة أعوام طلبا للحرية و الكرامة.