أخبار الآن | دمشق- سوريا (أحمد الدمشقي):

فمنذ اليوم الأول لانطلاق المظاهرات السلمية في عدد من المدن السورية تأثرت العملة السورية “الليرة” وبدأت تتأرجح بين نزول وصعود مما اضطر عدداً من المستثمرين العرب والأجانب للابتعاد عن السوق السورية بسبب التقلبات الحادة والأوضاع غير المستقرة.

 ومع استمرار الثورة وامتدادها إلى كافة إلى كافة الأراضي السورية واطلاق نظام الأسد لعدة عمليات عسكرية لقمع المحتجين المناوئين له ابتداء من حمص؛ التي تحتضن عددا كبيرا من المشاريع التجارية والصناعية والزراعية المحلية والعربية والأجنبية، بدأت ملامح الأزمة الاقتصادية الكبرى بالظهور.

 امتد القتال إلى معظم الأراضي السورية وهو الأمر الذي أدى إلى إقفال عدد كبير من المعامل لاسيما معامل الدواء والصناعات الثقيلة والصناعات الغذائية وحتى الحرف الصغيرة وبعض المشاريع البسيطة، وخرجت مساحات كبيرة جداً من الأراضي الزراعية عن الخارطة الانتاجية وبدأت المعاناة.

 وائل أبو أحمد هو أحد المستثمرين في قطاع الصناعة الدوائية يعبر عن أسفه الشديد لما وصلت إليه حال السوق في سوريا ويتحدث عن الخسارة الكبيرة التي لحقت باستثماره بعد تعرض المنشأة للقصف والتخريب من قبل قوات الأسد أثناء اجتياح المنطقة، وهو ما أدى إلى تدمير معظم الآلات الموجودة فيه وتلف مخزون كبير من المواد الأولية الخاصة بالصناعة الدوائية، وأشار أبو أحمد إلى االارتفاع الجنوني لأسعار الأدوية في سوريا بسبب تراجع الانتاج واستهداف معظم معامل صناعة الأدوية، وهو ما انعكس سلباً على المواطن السوري، فارتفعت أسعار الأدوية إلى خمسة وستة أضعاف أحياناً، واضطر البعض ممن يعانون من أمراض مزمنة إلى التوجه إلى السوق السوداء للحصول على الأدوية الأجنبية وبأسعار خيالية بسبب فقدانها من السوق المحلية.

 وتحدث أبو المجد لأخبار الآن، وهو أحد المزارعين من منطقة الجزيرة شمال شرق البلاد عن توقف الزراعة بشكل شبه كامل في هذه المنطقة التي تعتبر الرئة الزراعية لسوريا لإنتجاها الكبير من المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والشعير والشوندرالسكري.

 تحولت سوريا من مصدّر للقمح إلى مستورد، فالمعارك الطاحنة التي تدور بمناطق الانتاج أدت لتوقف الزراعة، مما ينبئ بأزمة كبيرة من حيث ارتفاع الطلب على مادة القمح الأساسية في الغذاء السوري، اضافة للخوف من تعرض هذه الأراضي لأخطار التصحر نتيجة إهمالها.

 وعلى صعيد التجارة تحدثنا إلى “أبو سعيد” الذي يمتلك متجراً كبيراً لبيع الجملة في أحد أسواق العاصمة دمشق وأوضح لنا أن ارتفاع الأسعار الكبير وانخفاض سعر صرف الليرة إلى باقي العملات العالمية أثر بشكل واضح على تجارته وقلّصها إلى أقل من النصف.

 ولاحظ أبو سعيد الانتشار الكبير للمواد المستوردة كالألبان والأجبان والسمن والزيوت والمعلبات والتي كانت نادرة في السوق السورية بسبب الاكتفاء الذاتي والتأثير الذي أحدثته على الأسعار بسبب منافستها للمنتج المحلي.

 كل ما سبق انعكس سلباً على الحياة المعيشية في سوريا، فتوقف بعض الصناعات نتج عنه عدد هائل من العاطلين عن العمل كذلك توقف بعض الزراعات وارتفاع الأسعار الذي لم يترافق مع ارتفاع الأجور أدى إلى عجز كبير في القدرة الشرائية ما جعل المواطن السوري متجهاً للمساعدات الإنسانية التي تدخل عن طريق الأمم المتحدة أو بعض المؤسسات الخيرية.

 وأخطر مافي هذا الأمر أن أغلب أصحاب هذه المعامل والاستثمارات لن يعودوا لمزاولة نشاطاتهم على الأراضي السورية في ظل استمرار الأوضاع المأساوية في البلاد وهو ما سيزيد من عدد العاطلين عن العمل وعدد المحتاجين للمساعدات، فالاستقرار عامل أساسي في أي حياة اقتصادية مزدهرة أو عادية على الأقل، وهو ما انعدم في سوريا في الوقت الحالي وعلى المدى المنظور بسبب انعدام أي فرصة لحل سياسي أو حتى عسكري قريب.